شهر مارس 2014 ، يوم 19 الأربعاء
أصبحنا وأصبح الملك لله ، استيقظنا صباحاً وحزمنا أمتعتنا لنغادر الفندق والمسير على تلك الأرض الأوروبية ، ذات الطبيعة العربية ، والجو العربي ، يميل أهلها إلى الملامح العربية على الغالب ، وربما أجدادهم مسلمين ولكن اضطهادهم وتعنيبهم وممارسة العنف الصليبي اتجاههم ، أخفوا دينهم إلى أن تلاشى ونسي مع مرور الزمن..
عملنا الخروج من الفندق ، وأخذنا جولة على مدينة ملقا (Malaga) ، فمررنا ونحن في السيارة على بعض الأماكن الأثرية كالقلاع والحصون ، ومررنا أيضاً على الكورنيش وكان بسيطاً جداً ومتواضع ، ثم تركنا البحر خلفنا واتجهنا إلى الشمال ، لنغادر الأطراف الساحلية ونستكشف ما وراء الجبال ..
بدأت أشجار الزيتون تظهر وتتزايد المزارع وبكثرة على أسطح الجبال ، وكان المنظر قريب من الطبيعة الشامية ، حيث يمتزج الأخضر مع لون البيج القريب من البرتقالي ..
ونحن نسير ونستمتع على الطرق الفرعية بين الأرياف ، والمزارع ، والهدوء حيث لا تكاد أن ترى إلا سيارات الفلاحين ، فأبت النفس إلا أن تتوغل وتكتشف المزيد عن تلك الأراضي الأندلسية.. فسلكنا طريق شبه ترابي لنقترب أكثر ونتعرف على طبيعة الحياة في المنطقة
زادنا الفضول عندما رأينا هذه الشجرة ذات الأوراق البيضاء ، والمنزوية على الطريق ، فنزلنا وكلنا حذر لنتعرف على ثمرة تلك الشجرة ، وبعد تفحص ثمرتها تبين لنا ما هو معروف لدينا :
واصلنا طريقنا بين الحقول والمزارع ، والمكان شبه خالي إلا قليل جدا من المزارعين ونظراتهم الإستغرابية في بعض الأحيان ، ، كان تصميم بعض بيوت المزارعين المتناثرة بين تلك المزارع على الطراز الأندلسي :
واصلنا المسير على الطرق الملتوية وبين أشجار الزيتون ، واقتربنا أكثر من الزيتون : ))
طبعاً يوجد طرق سريعة لكن سلكنا طرق الأرياف لمعرفة طبيعة أهل البلد عن قرب ، وبعيداً عن الاماكن السياحية التي ليست على كل حال تعكس طبيعة اهل البلد ، فلا شك أن الطرق الريفية تستكشف أكثر لكن يعيبها أنها تستنزف الوقت خصوصا إذا كانت ملتوية أو شديدة الإنحدار ، ودرجة الأمن يعتمد على طبيعة البلد نفسها ، وبشكل عام جنوب أسبانيا آمنة على حسب ما سمعت ولم أرى ما يقلق لكن أخذ الحذر لابد منه ، كما ان وجود جهاز الملاحة مهم جداً ، ومعرفة كيفية أستخدامة لا يقل أهمية ، لأن يوجد بعض الإختيارات في الأجهزة (على حسب النوع) تحدد نوعية الطريق الذي تريد ان تسلكه ، هل طريق رئيسي أو فرعي ، رسوم او بغير رسوم ..الخ
وبشكل عام ومختصر أن الأمر ممتع عندما تسلك الطرق الريفية لفترة مناسبة على حسب الطبيعة وليست بالطويلة حتى لا تتملل النفس من تكرار المشاهد ، وبعدها أسلك الطريق السريع وأكمل مشوارك
تابعنا المسير على الأراضي الأندلسية التي كانت في يوم من الأيام حضارة إسلامية صدر منها كثير من العلوم والمعرفة والفلسفة ، وعلى بعد 170 كلم من ملقا تقريبا ً ، وعند الظهيرة ، شارفنا على مدينة من اهم المدن في الأندلس ، وكانت عاصمة لبلاد الأندلس في يوم من الأيام ، وهي مدينة قرطبة (Cordoba) ، دخلناها ظهراً عن طريق الجسر الذي يعلوا النهر الفاصل بين المدينة ، اتجهنا إلى جامع قرطبة الكبير ، حيث توجد مواقف بالأجرة ، ثم دخلنا الحي القديم حول المسجد ، بشوارعه الضيقة ، وبيوته الأندلسية المتلاصقة مع بعضها ، وأشجار البرتقال الخارج منها :
وصلنا مسجد قرطبة الكبير وقطعنا تذاكر الدخول عن طريق جهاز بيع التذاكر ، وكان سعر التذكرة لشخص 8 يورو ، والصغار مجاناً .
ولفت نظري محاولة تغيير الحقائق التاريخية من جهة الهيئة السياحية لديهم ، ومحاولة تشويه سمعة المسلمين ، وطمس المعالم والأسماء الإسلامية بقدر المستطاع ، وهذا العمل امتداد لعمل اجدادهم من قبل ، لدرجة انه بعد سقوط الدولة الإسلامية تم استبدال أشجار النخيل لأنها ترمز للمسلمين إلى أشجار البرتقال ..!!! وما خفي أكبر لو كانوا يعلمون ، فلابد من التثبت في معرفة الحقائق خصوصاً لمن يذهب مع المجموعات السياحية ..
المسجد كبير على إسمه ، تصميمه يذكرني بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة ، والمسجد الاموي في الشام .. طبعاً يتفطر القلب عندما ترى تلك الكنوز الإسلامية وتتوسطها بالداخل كنائس ، ويعلق على مناراتها الأجراس والصليب ، ومحاولة إدخال التصميم الروماني على تلك التصاميم الإسلامية ولكن دون جدوى ، فالتصاميم الإسلامية هي الملفته لنظر حقاً سواء لسواح الأجانب وغير الأجانب ..
خرجنا من المسجد ، واتفقنا ولم نتفق !!! مع مرشد سياحي من أخواننا المغاربه بأن يأخذ بنا جولة على المنطقة التاريخية مشياً على الأقدام ، لأن الأماكن قريبة وفي حي واحد حول المسجد الكبير ، أنصح بالمرشد السياحي على حسب شخصيته وتعامله ، وعلى الأغلب أنه مناسب وستستفيد ، ولكن لا بد أن تكون ملم بالأماكن الرئيسية التي ستزورها .. والأهم الإتفاق بالتفصيل على المبلغ لأنه في تلاعب واستغفال ، فأتفق معه على مبلغ واضح مقطوع وليس بالساعة او بالشخص مثلاً ، والمتوسط أسعارهم تتراوح بين 20 إلى 40 يورو لمدة ساعتين ..
بدانا نتجول بالحي القديم بالطرق الضيقة والملتويه تتوسطها بعض المحلات والمطاعم ، والمرشد يتحدث عن تاريخ المنطقة والاماكن الاثرية الموجودة ..
ذهب بنا إلى متحف صغير الحجم ولكن شديد الأثر والتأثير !!! ، كان الدخول رخيص على ما اذكر 2 يورو لشخص ، يمثل هذا المتحف الصغير طامة الصليبيين اتجاه المسلمين في ذلك الزمن في التفنن بتعذيبهم ، والادوات المستخدة في التعذيب ، بشكل لا أستطيع وصفه من البشاعة والعنف والحقد الممارس لتصفية المسلمين ، ويقال حتى اليهود لم يسلموا من تعذيب الصليبيين ، حيث يمثل هذا المتحف إدانة واضحة بالجرائم المرتكبة من قبلهم ، حتى اليهود في ذلك زمن كان بودهم بأن يحكم المسلمين ولا الصليبيين ، وهذا ليس بغريب لما رأوه من عدل في التعامل والحكم بما انزل الله ، ونحن نعلم كمسلمين من هم أعداؤنا كما ورد بالقرآن الكريم بالعبارة الصريحة وإن اختلف الزمن واختلفت المعاملة فلا يعني ذلك ان نظلمهم فالعدل وعدم الظلم مطلب في ديننا ، فتعلمنا من ديننا السمح أصل من اصول العقيدة وهي الولاء والبراء ، وأهمية معرفتها وبقوة لمن يتعامل مع أهل الأديان الأخرى ..
الحقيقة مرة ..!!
توضح الصورة أدناة أقنعة من الحديد التي تلبس على وجه الذي سيعذب قبل البدء في التعذيب
وهذه أدوات أخر لتعذيب
وبعد خروجنا من هذا المتحف الفاضح اتضح لي من هم أشد عداوة من اليهود ..
تجولنا في الحي القديم مع مرشدنا السياحي، وزرنا أحد البيوت الأندلسية النموذجية القديمة ، وكانت قيمة الدخول 2.50 يورو ، كان البيت صغير الحجم جميل التصميم ومستغل المساحة ، وزيارته كمعلم سياحي ليست بتلك الأهمية
وهذه طريقة صناعة الورق أيام زمان
خرجنا من البيت الأندلسي واتجهنا عبر الطرق الضيقة إلى ان وصلنا أسوار المدينة حيث يوجد مكان الحمامات المستخدمة في ذلك الزمن وكان يوجد له رسوم دخول أيضا ً ، ولا يوجد ما يشدك لزيارته..
كما أنه توجد معالم أخرى بنفس المنطقة ولكن داهمنا الوقت ، ودخل علينا وقت العصر وأنا مشواري خارج قرطبة بمسافة ولا أريد ان تغيب الشمس وأنا لم أصل إلى مبتغاي ,,
أستعجلت المرشد السياحي وأكملنا الجولة بشكل سريع مروراً بالنواعير والجسر التي على النهر
ذهبنا إلى سيارتنا وانطلقنا إلى مدينة الزهراء والتي تبعد ما يقارب 30 كيلو ، وهي أحد المعالم السياحية في مدينة قرطبة ، ولم يتم التنقيب عن الآثار إلا 10 % من مساحتها وجاري العمل في الباقي .. بعد ان وصلنا المواقف الخاصة بالمدينة وقبل النزول من السيارة بدأت أعيد حساباتي ، كان الوقت عصراً وانا اريد الوصول الي المكان الذي قاصده قبل المغيب ، فقررت ان اواصل الطريق والعدول عن زيارة مدينة الزهراء
خرجنا من مدينة قرطبة باتجاه شمال غرب سالكين طريق الأرياف ذات المسطحات الخضراء المنبسطة .. توقفنا بجانب أحد المحطات التي على الطريق وصلينا الظهر والعصر جمع تأخير ، ثم واصلنا طريقنا ، فبدأت الغيوم تتكاتف مع بعضها البعض لتشكل لوحة فنية من ابداعات الخالق جلا وعلا سبحانه ، طريقنا الذي نسلكه متجه إلى تلك الغيوم وان الجو بدا يتغير إلى غائم ، يا سبحان الله مغير الكون بلاحظات ..
بدات السماء تمطر ، وكلنا حذر من مفاجآت الطريق ، وكنت متخذت قرار احتياطيا إذا لم أصل إلى هدفي بإذن الله قبل الغروب فسوف أتوقف بأقرب فندق على الطريق وعدم المخاطرة بالمشي ليلاً والجو الممطر وليس عندي دراية بطبيعة الأرض ؟؟ هل ستستمر منبسطة او ستتغير إلى مرتفعات ومنحنيات ؟؟ ولكن رافة من الله سبحانه وتعالى بأن تتيسر الأمور للوصول مع أذان المغرب .. : ) ) الحمد لله والشكر ..
ولكن ماهي تلك المدينة التي وصلناها ؟؟