لا أذكر منشأ هذه الفكرة بالضبط و لكني اتذكر انني كنت أنتظر قرب العيد كي أتعيد في أقصى الشمال على الحدود السودانية في مدينة صديق لي كنت قد وعدت والده بالزيارة.
وبينما أنا في أنتظار هذا اليوم وكانت أمامي 10 أيام كنت قبل ذلك ابحث عن قهوة فاخرة كعادتي حينما أصل الى اديس ابابا ، فوجدت أحد التجار المسلمين و تحدث الي عن هرر مطولا حيث ينتمي هو الى هناك، و بعد الانتهاء من الحديث خرجت من عنده و انا كلي تفاؤل أن أطاء أرض الأسلام في الحقبة الماضية ومن هناك بدأت أخطط عن أفضل طريقة ، فبحثت عن سيارة خاصة تقلني الى هناك من الغد فلم أجد ، و أقترحوا علي أن أذهب الى محطة الباصات القريبة من السوق و أن أتوجه من هناك الى هرر
و بما أن هدفي من الزيارة هو التداخل مع الشعب الأثيوبي و معرفتهم عن قرب في كل طباعهم لذا جهزت نفسي
و عرفت حينها ان الانطلاق سيكون قبل الفجر و بالفعل كنت على أتم الأستعداد و أنطلقت الى محطة الباصات و حقيقة أديس أبابا أكثر من رائعه في ساعات الفجر الأولى حيث الهدوء و السكينه و خلو الطرقات
وصلت الى محطة الباصات و قطعت تذكرة أن لم تخني الذاكرة ب 60 بر في باص أكل عليه الزمن و شرب ،،، باص قديم و متعب و ضيق في البداية ركبت و الظلام يعم الباص و أخذت مكاني في المنتصف وبينما أنا أنتظر الأنطلاق أشعلت الأنوار و الكل مركز أنظاره على هذا الكبيان الأبيض و الذي تتضح عليه الأمكانيات الأفضل من أمكانياتهم بكثير وما هي الا دقائق حتى طلب من الركاب أن يفسحوا المجال للراكب الأهم على هذه الرحلة ، و بينما الكل يتطلع للزائر الكبير و اذا هو أحد القساوسة لإحدى الكنائس و فهمت لاحقاً من الركاب أنه متجه الى مدينة كولوبي وهي مدينة يحج اليها كل سنة 100 الف من النصارى فيا سبحان الله على هذه الخزعبلات التي لم أراها الا في أثيوبيا فكل كنيسة لها حج مرة واحدة في السنة و ترى الأجتهاد و انا أقول في نفسي الحمد لله الذي فضلنا على كثير من خلقه بنعمة الأسلام.
ركب هذا القسيس و بعد أن أختاروا له مقعداً على يساري يتقدمني بصفين يتلفت كثيراً و لم أكن أعلم بمقصده الا حينما رآني طلب من المسئول عن تنظيم الباص بأركاب أثنان من رجال الأمن لحمايته.
لم أكن أعلم بمايحدث حولي حتى الآن فبقيت متفرجاً و بعدها طلب رجل الأمن الجلوس بجانبي فرفضت طلبه بعد أن فهمت منه سبب جلوسه هنا فأصبح الباص في حالة فوضى عارمة و أنا متمسك برفضي كوني من جاء أولاً و أمرته بالتوجه للجلوس بجانب القسيس أو البحث عن مكان بعيد عني ليجلس به ، و أتفقنا أن يبقى أحدهم بجانب السائق و الآخر في الخلف و بالفعل الحمد لله أنطلقنا بعد تأخير ربع الى نصف ساعة .
خرجنا من أديس أبابا قبل شروق الشمس وهنا أضطررت أن أصلي في مكاني في هذه المقاعد التي لا تتسع لأحد ناهيك عن الأفارقة الطوال ، وكانت هذه الرحلة من الرحلات المتعبة التي لن أنساها للأحداث التي مررنا بها.
بعد الصلاة التفت الى صاحبنا القسيس لأجد عين علي و عين على الأنجيل يقراءه ( صارت عيونه كأنها مروحة قعادية لاشتغلت ) ولاحظت تخوفه الشديد مني وهنا فهمت المسألة ، حيث أنه ذاهب الى كنيسة مدينة كولبي للتجهيز قبل مراسم الحج ( يتم الحج سنوياً الى هذه المدينة و التي تستوعب 100 الف حاج سنوياً ) فتفاجاء بهذا العربي يركب معه حيث لم يتعودوا على أن يكون معهم اي أجنبي في مثل هذه الرحلات ، حاولت تناسي الموضوع لأخلد كغيري من الركاب الى النوم و كم حاولت جاهداً مع هذا الضيق الشديد في المقاعد و لكن دون جدوى و الحمد لله أني كنت نائماً ليلة الأمس ، ففكرت في لعبة أقطع الطريق بها ولم أجد أمامي الا هذا الجبان الذي سبب لي أزمة في الطريق ، و بينما أنا أرى هذا التخوف في عينيه و الكل نائم حتى قائد الباص و الذي لا أعلم هل نحن نمشي أم أن الباص يمشي على البركة من خلال المرتفعات و المنخفضات التي نمر بها و كانت سرعتنا ذلك الوقت تقريباً لا تتعدى الخمسين كيلو متر في الساعة و ربما في بعض الأماكن تصل الى 80 كلم في الساعة.
كانت لعبتي مع هذا القسيس هي ان أضع رأسي على يدي فأن غفوت كان بها و أن لم اغفوا أفقت رافعاً أحد حاجباي لألتفت الى الأمام و الى الخلف بسرعة ثم أنظر اليه نظرات تجعله يندم أنه ركب معنا هذا اليوم و بالفعل أستمتعت ايما أستمتاع على هذا الرجل وحقيقة قد قطعت الساعات و انا أتسلى عليه وهو ينظر بخوف و يتلوا الأنجيل.
بعد ساعتين الى ثلاث توقف الباص قبل مدخل مدينة أواسا كما أظن و أول مانزلت بحثت عن أكل نظيف فلم أجد و الحمد لله كنت مستعداً بحمل بعض الطعام أتزود فيه لهذه الرحلة ثم ناديت على العسكر المرافقين لنا في الرحلة و ضيفتهم من الباعة المتجولين ففرحوا بهذه الدعوة أيما فرح فبداءت العلاقة بيننا تتوطد عندما عرفوا سبب ركوبي للباص و أنني كنت متوجهاً الى هرر لقصد السياحة و أخبروني أن القسيس خائف مني ولهذا ركبوا لحمايته مني ، و عندما شرحت لهم تسامح الأسلام لان أحدهما مسلم و أخبرتهم بأننا لم نأتي للبحث عن المشاكل و لكن أتينا للبحث عن ثقافات الشعوب ، فكانت هذه نقطة التحول لفتح صفحة و علاقات جديدة مع ركاب الباص و هنا أشتريت من الباعة بعض الحلويات و بعض الاكلات لتفريقها على من هم حولنا في الباص فأكملنا الرحلة و مازلت أتسلى بصاحبنا القس و بعد أن قطعنا هذا الطريق العجيب و تعمقنا فيه رأيت جمالاً للطبيعة لم أرى مثله في أي مكان من هذه البلاد و لكن يعيب هذا الطريق كثرة نقاط التفتيش فيه لأمرين سأذكر أحدهما و لربما ذكرت الآخر في آخر الموضوع وكنت في البداية أنزل مع الناس للتفتيش ولكن في الأخير علمت أن الأجانب لا يفتشون و لا تفتح شنطهم و بالفعل لم أنزل الا حينما أفضل تغيير الجو ، حتى توقفنا في أحد المدن الكبيرة فكانت هذه نقطة التحول في هذه الرحلة حيث بعد الغداء مع رجال الأمن ، ولم يبقى أحد في الباص لم يشتري القات وبداء التخزين ، ومن أهم فوائد القات التي رأيتها أن من حولك فقط يتكلمون و انت تستمع حيث أني لم أرى أكثر من المخزنين في التحدث ولو لساعات طويلة و بقيت انا و القس نتبادل النظرات و عدم التحدث لأن الركاب أوضحوا له من أكون وكيف أن هدفي الزيارة و لم آتي للبحث عن المشاكل ، و بعد ذلك بداء الركاب في النزول الى القرى المتناثرة في الطريق وكان العسكر المرافقين متعاونين لأبعد حد مع المسافرين فيقوم العسكر بالنزول معهم و أنزال اغراضهم من أعلى الباص.
ضحكت كثيراً من احد المواقف التي حدثت لنا في الطريق الا وهي انه و بعد ان توطدت العلاقة بيني و بين العسكر، كانا كلما نزلا من الباص ائتمناني على اسلحتهما و يضعانها عندي و هذا ما أفزع القسيس و ما لاحظته من نظراته و تأنيبه لهما بعد أن يعودا فافهماني ما يقصد و اخبراني انهما قالا له لا تتدخل في امر لا يعنيك و قد بينا او وضحنا لك امر هذا العربي فيجب عليك ان تنبذ هذا الخوف من هذا العربي و حقيقة لا يلام من خوفه لأني حينما رأيت الخوف في عينه بداءت أنظر للسلاح ثم أنظر اليه حتى بلغ منه الخوف مبلغه ،،، حركات منفوحة وقبيل صلاة المغرب بربع ساعة تقريباً وصلنا الى هرر هذه المدينة التي طالما أملت في زيارتها وها أنا أطاء بقدمي أرض هذه المدينة ،،،
حين توقفنا في محطة الباصات أخذت حقيبتي ووادعت العسكر ثم بداءت برحلة أخرى للبحث عن فندق
مشاهد من الطريق
سكان من القرى التي نمر بها وكل منطقة لها لبسها و عاداتها الخاصة
وبعضهم لا يحمل العصا أو العجراء فيحمل السلاح واعتقد ترمز الى أن من يحمل السلاح أما من الاسر المرتاحة مادياً في هذه المنطقة أو يكونوا رجال أمن بلبس مدني أو ممن لهم تقاليد و عادات على حمل الاسلحة في كل مكان
هذا التفتيش خاص بالاثيوبين المهربين سواء يهربون القات وحيث ان هذه النقطة هي نقطة جمارك تؤخذ على بائعي القات أو من مهربي الملابس و خلافة و التي يشترونها بعد ان تهرب من الصومال
احد حوادث الطريق و بالتأكيد وراء كل حادث شنيع سائق مخزن آخر الليل