الفصل الثانى
____________
اَه و اَه
من لهيب الشيوعيه
---------------------------------
لن تعرف روسيا فى الوقت الحالى , سائحاً كنت او دارساً او دبلوماسى او حتى تاجاراً ... أقول لن تعرفها تمام المعرفه الابمعرفة تاريخها مع الشيوعيه .
ولذلك لنا حديث مستفيض عن ذلك وهو موضوع , هذا الفصل
من قوه روسيا متمثله في اسلحتها النوويه , لانها تشكل خطر علي العالم الغربي .
وخبره علمائها في مجال الذره , والعلم ...
لدرجه ان علماءها استمروا لمده عشرون عام , في العهد الشيوعي يجرون ابحاثهم السريه تحت الارض لصناعه انسان من البلاستيك يغزون به العالم كله ...ولكن بعد عشرين عام فشلت الابحاث لانهم لم يهتدوا للروح ... والمسلم البسيط لديه من العلم عن الروح اكثر من علماء الروس جميعا ...
مع ان الالحاد ضد فطره الانسان التي فطر الله عليه الانسان , نجد ان الروس , دون ان يدروا , او يحتبسوا عبدوا قبر لينين .
ولي حديث عنه عندما قمت بزياره قبره ...
لا غني عنها للبشر , وان التمسك بطقوس الدين مهما يكن , اكرم لصاحبه من التحلل والاباحيه .
فالانسان مهما تكون درجته , لا يكون انسان الا بعقل ودين !
اما العقل فانه يتصرف به وينظم به شئون خلافته .
والدين لطف من الله خالق الانسان يهتدي به من الظلمات الي النور .
لذلك قيل ان عبد الله بن المقفع الاديب والحكيم والعالم البارع , كان علي دين المجوسيه دين الفرس الذي ينتسب اليهم , ولما اراد ان يدخل في الاسلام , اتفق مع عم الخليفه العباسي انذاك علي يوم يعلن فيه اسلامه , وفي الليله التي يليها ذلك اليوم , قدم اليه العشاء مع عم الخليفه في قصره , فلما قدم العشاء اخذ يزمزم اثناء الطعام علي ما جرت به طقوس المجوس .
فقال له عم الخليفه : الست علي نيه الاسلام ؟!!
قال : بلي ولكنني كرهت ان ابيت علي غير دين؟!
لم يكن لها من المجد الا مجدا زائفا استمر طيله سبعون عاما تقريبا وهذه فتره زمنيه قليله في عمر التاريخ , فالمجد... ما هو الا مجموعه من الفضائل تتمثل في رياضه النفس علي العدل والاحسان والعفه والنزاهه والصدق والشجاعه والكرامه والامانه والوفاء ...
والدين وحده هو الذي يكفل لمن يتمسك به ان ياخذ من هذه الصفات الكريمه في اسرع وقت واقرب زمن بأوفي نصيب.
الحاديه بطبيعتها , معاديه الي كل ما يمت بصله الي الدين وكان ماركس زعيمها الروحي وشيخ الماديين لا يؤمن بالمُثل ولا يدين بالمحسوسات .
ويقول : لا اله والحياه ماده .
ويقول : رساله الطبقه العامله هي القضاء علي الدين والراغبين اليه .
ويصر مفكروه كهوبز و انجلزا ... علي ان الدين هو مخدر الشعوب .
والشيوعيه تؤمن بنظريه دارون النشوء والارتقاء , ومن ثم تصر علي انكار وجود الله , وتهتم بتفسير الاحداث التاريخيه تفسيرا ماديا ينكر الدين.
واما الاسلام فأساس الحياه عنده هي الروح . والماده تبعا لها , فالاسلام لا ينكر الماده اطلاقا و انما يثبتها ويجعلها مسخره لخدمه الروح .
وللشيوعيه موقف خاص من الاسلام يمثله قول مولوقوف : لن تنتشر الشيوعيه في الشرق الا اذا ابعدنا اهله عن تلك الحجاره التي يعبدونها في الحجاز و فلسطين .
بمبدا اجتماعي غريب وهو (صراع الطبقات)
وماركس يقول : لن تستطيع الطبقه العامله التحرك , ولا النهوض بنفسها , مالم تنسف جميع الطبقات المتراكمه فوقها .
والاسلام : سلام اجتماعي .. اوجب علي الفقراء والاغنياء ان يعيشا بجوار بعضهم البعض اخوه متحابين متعاونين.
تكن لتقوم لها قائمه في بلادها لولا هذه المجازر الهائله , وعدد الضحايا الضخم لها في بلادها , ولولا سجون الاعتقال والنفي الي مجاهل سيبريا والبطش بخصومها في الراي , واالتنكيل بمعارضيها في الفكره , ثم لولا الدعايه والاموال الضخمه لنشرها , ماكان للشيوعيه ان تقوم لها قائمه .
قامت الثوره الشيوعيه الاولى في التاريخ المصري القديم عام 2280 ق.م في اعقاب الاسره السادسه ... بدأت الثوره بمجموعه من الشعارات والمنشورات كانت الاولى من نوعها في العالم القديم .
" نادي الثوار بانه ليس هناك سيد او مسود وليس هناك رئيس ولا مرؤس الجميع سواء والجميع احرار... ليس هناك محاكم او سجون لان القوانين والاحكام ضد الحريه ... وليس هناك تشاريع تقيد الناس بالسماء لان الاله لا وجود له . د.سيد كريم صـ302 لغز الحضاره
في عام 1923 نشرت جريده (برافدا) الروسيه عما قام به رجالات الثوره البلشفيه من مذابح في جميع ارجاء الاتحاد السوفيتي باعدام 28 اسقفا و3715 كاهن ,9575 مدرسا ,8800 جنديا , 105000 ضابط من ضباط البوليس ,25850 موظفا في الحكومه , 260000 ضابط
قال ستالين في تبرير ذلك " ان احد الوظائف الرئيسه لكل سلطه سياسه هي القمع "
وكان ذلك استمرار لحكم الفرد المطلق الذى شكا منه الروس في عهد القياصره ... هو حكم يقوم علي امتهان النفس البشريه والاقلال من شأنها وقيمتها .
قال ستالين لصديقه تشرشل رئيس الوزراء البريطاني علي مأدبه عشاء , دعاه اليه في احد اعوام الحرب العالميه الثانيه 1942 عندما اخذ تشرشل يتحدث عن ( تصفية ) الكولاك ( ملاك الاراضي الزراعيه في روسيا) والقضاء عليهم .
قال له ستالين : وهو يشير باصابعه العشره .
لقد كانوا عشره ملايين ... لقد كان الامر مرعبا استغرق اربع سنوات ..!!
عشره ملايين يا مفتري ... ولم يكف ستالين عن القتل طوال حياته . وكان يصدر اوامره الخاصه بذلك في هدوء ... ولذلك قال عنه غريمه تروتسكي : انه انتهازي ... يمسك قنبله في يده ! (من كتاب ستالين ل فرج جبران )
في روسيا لاول مره عام 1883 حين شكل بليخانوف الجماعات الماركسيه ومنها جماعه تحرير العمل التي تعتنق اراء ماركس وانجلز الداعيه الي ان تسير الطبفه العامله الي اهدافها بالقوه والثوره , وقد سبق ذلك صدور قانون تحرير رقيق الارض عام 1861 في عهد القيصر اسكندر الثاني بتاثير كتابه المفكرين ودعوتهم الي الاصلاح , من امثال تولستوي , وجوركي وبوشكين.
وفي عام 1898 نشأ حزب العمال الإشتراكى الديمقراطى في روسيا داعياً إلى تعاليم ماركس و في 1901 قام الحزب الإشتراكى الثورى , و فى عام 1903 أنشأ لينين الحزب الشيوعى البلشفى , و من ذلك الحين ظهرت البلشفيه كمدرسه فكريه و حزباً سياسياً ينادى بإستخدام القوه و العنف لخدمة أغراضه .
و خلال الحرب العالميه الأولى 1914 – 1918 كانت روسيا تقاسى أهوال الحرب و ويلاتها . أخذت الشيوعيه تستخدم السخط العام لإثارة حرب الطبقات فقامت في أوائل مارس 1917 ثورات و حروب أهليه مدمره بين الطبقات و فى منتصف مارس قبض الشيوعيون على القيصر نقولا الثانى و في اليوم الثانى أعلنوا الجمهوريه , و أخذوا بعد ذلك في ذبح الأغنياء و استصفاء ارض كبار ملاك الأرض , و تسليم المصانع و المناجم إلى العمال و قامت الديكتاتوريه الشيوعيه الطاغيه في روسيا , و أخذوا يسلبون الملاك محاصيلهم و متاجرهم و مصانعهم باسم الثوره , حتى المنازل في المدن.
و نفذوا مشاريعهم الإقتصاديه بقوة السلاح و الإرهاب , و قامت المذابح الهائله باسم الإصلاح ...
كانت هذه الوقفه المستفيده عن تاريخ الشيوعيه في روسيا لابد منها لأى زائر لروسيا الآن .
ففى الزمن الشيوعى كانت البلاد مغلقه أمام الأجانب .
و خروج أهلها إلى الخارج من المستحيلات .
و التوجس و الخوف من كل قادم غريب ، بل بين أنفسهم يتخوفون من بعضهم البعض .
فكانت روسيا منغلقه على نفسها ... حتى أنهم خصصوا لرجال السلك الدبلوماسى حدود معينه داخل موسكو نفسها و لا يجوز ان يتعدوها بأى حال من الأحوال و كانت أجهزة المخابرات تعد على الناس انفاسها و لذلك زائر روسيا الآن يشعر بمرحلة مخاض متعثره لدوله جديده تخلع ثوب الشيوعيه الإشتراكيه و تحاول أن ترتدى ثوب الرأسماليه الغربيه و بين هذا و ذاك الشعب متردد حيران .
و لذلك كنت أسأل من أقابله و يتحدث معى من الروس ,عن أى العصور أفضل العصر الشيوعى أم العصر البروسترويكى ؟
فإن كانوا مجموعه أنقسموا على أنفسهم .. حتى أننى سألت هذا السؤال إلى زوج و زوجه سرنا معهم إلى أحد الأماكن فالزوج شاب قوى البنيه قال العهد الماضى أفضل حيث العمل متاح للجميع و أما الآن العمل شحيح و البطاله متفشيه و دلل على صدق كلامه ما ذكره و نحن جلوس على حافة نهر نيفا في سان بطرسبرج عندما جاء بجوارنا لنش صغير عليه شابان و فتاتين يمرون بحذائنا في سرعه شديده ناثراً الماء على كافة الجالسين على حافة النهر , فقال : ما كان هذا ليتم في العصر السابق ... أما الزوجه فقد أثنت على عصرها الحالى رغم كل المساوىء ..
و لذلك اذا زرت روسيا عند أول مقابله مع الروس في الجوازات انت محل شك ينظر إلى جواز السفر في شك و ريبه و يدور جواز السفر على العديد من المكاتب و المسئولين ثم يعطيه إليك ببرود دون أدنى أعتذار .
و إذا دخلت مبنى و أردت أن تضع أغراضك في الأمانات فلن تتعامل مع الموظف المسئول إلا من فتحه صغيره ضيقه كأنك شبهه ... حتى عند نزولنا في الفندق تشعر ان هناك مشكله كبرى في الحجز و الجوازات ... و ينتهى الأمر على لا شىء ...
كان ذلك فى سفريتى الاولى لروسيا 2003 اما الان فالترحيب بالسائح على أشده وان لم يمنع من وجود الشك والريبه تأثراً بالماضى ..
إذن كانت الناس تتدفق إلى كاتدرائيه سافوى دون أى خوف لأنهم في السابق في العهد الشيوعى لا يكتفون بأن يبرأ من الدين بقلبه و لسانه , بل يريدونه أن يعمل ما وسعه الجهد لرد المؤمنين بالله عن دينهم , ليكون الناس جميعاً شيوعين على دين ستالين و لينين و كارل ماركس , لا على دين نبى من أنبياء الله و رسله , و قد كان من الجرائم العظمى بروسيا في يوم من الأيام ان يضبط روسى متلبساً بجريمة الصلاة أو العباده في كنيسه ا و مسجد , و قد هدمت المساجد و الكنائس في روسيا منذ سنين بعيده ,و حول كثير منها إلى مصانع أو مخازن أو مسارح للهو أو زرائب للماشيه , و بقى قليل منها كمتاحف تمثل عهد الرجعيه الاستقلاليه البائده .
الشيوعيه قالت لشعوبها عيشوا عيشة العربده و التحلل , فليست هناك حياه أخرى و لا عالم روحى و لا حريه , لأن الإنسان خاضع للضروريات الماديه , و أما الأداب و الأخلاق فليس لها مصدر علوى , و إنما هى وسيله لحفظ المجتمع فلا مكان للروح و إنما يمتاز الإنسان عن الحشرات بقدرته الفنيه .