مقدمة تاريخية
ما قبل الإسلام في كوسوفا :
كوسوفا جزء من منطقة دردانيا وهي الجزء الجنوبي من منطقة البلقان والتي كانت تسمى في حقبة الحكم الروماني والبيزنطي بــ اليريا ( نسبة الى الاليريين وهم اجداد الالبان )
في القرن الثامن عشر قبل الميلاد اقيمت الكثير من الدول السياسية الاليرية وعلى المراحل التالية
لمرحلة القبلية ..
ثو تحولت الى شكل مملكات صغيرة مثل مملكة دردان ومملكة بنستت ومملكة بوينات ثم اجتمعت هذه الممالك وكونت دولة الالبان وهذا قبل مجيء الصرب ..حيث تنص المدونات البزنطية على ان الصرب قدموا من روسيا في القرن الثاني عشر قبل الميلاد حيث استقروا في المناطق الجبلية وعملوا كقطاع طرق ..
ونظرا لاهمية المنطقة وكونها واقعة بين حضارات متناحرة فقد توالى على احتلال البلقان عدد من المحتلين كالبلغار والنارمند ومن بعدهم الصرب مما تسبب في تغيير هيكل الشعب الدرداني الاصيل ..
ومن المشاكل التي واجهت هذه المنطقة بعد انتشار النصرانية في اوربا هي مشكلة الغزو الصليبي لاخضاع المنطقة لتلك الديانة والنفوذ مما ادى الى خسارة مادية وثقافية وحضارية وقد عاش الالبان نتيجة لذلك ظروفا صعبة حيث قتل الكثير واسر الكثير ..
التاريخ الإسلامي في كوسوفا :
دخل الاسلام الى بلاد الالبان في القرن الثالث عشر الميلادي على الاصح وكان انتشار دائرة تجارة المسلمين من العوامل التي ساعدت على انتشار الاسلام في العالم ..
ولما كانت شواطئ البحر الادرياتيكي الالبانية مليئة بالسكان الالبان الذين كان يحكمهم حكام محليون ويخضعون لغيرهم من الدول المجاورة لهم وكان مضيق اترانتو الالباني وميناء مدينة دورس الهامين للتجارة لذلك كان لابد ان يكون لهم احتكاكا واتصالا بالعرب المسلمين منهم الذين كانوا يحملون تجارتهم الى اوربا الشرقية عبر البحر الادرياتيكي وكانت علاقة العرب بالسلاف قديمة ووثيقة .. والسلاف كانو منتشرين في شبه جزيرة البلقان وخاصة بلاد الالبان التي استوطنوها .. فاختلط العرب المسلمون بالالبان في تلك الشواطئ .. وعرف الالبان فيهم الامانة والخلق الحسن فاكرموهم وقربوهم اليهم فعرفوهم الاسلام فسر الالبان بما سمعوا منهم عن الدين الجديد ولم يتركوهم يرجعون الى بلادهم الا بعد ان اشهر بعضهم اسلامه على ايديهم .. فكان من هؤلاء المسلمين الالبان من مهد للعثمانيين الطريق للدخول الى بلادهم فيما بعد ..
هذا من ناحية التجارة ..
وهناك دعاة قاموا بالدعوة ولم يتوقفوا في سيرهم يدعون الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن خاصة بعد اسلام ملك البلغار الماس خان بن سلكي خان حتى وصل بعضهم الى بلاد المجر واسلم على ايديهم طائفة من المجريين وانتشر الاخرون في البلقان يتجولون من منطقة الى اخرى حتى وصلوا شواطئ البحر الادرياتيكي الالبانية.. فلا بد اذا ان يكونوا عرفوا الشعوب البلقانية بالاسلام ومن بينها الشعب الالباني الذي كان منتشرا في البلقان كله .. وهناك رواية تقول ان قبائل متعددة من الاتراك اتت الى شبه جزيرة البلقان واستوطنت فيه قبل قدوم سلاطينهم اليها بزمان بعيد .. والالبان كانو منتشرين في البلقان فلا بد اذا انهم التقوا بالتجار العرب المسلمين والبلغار والترك والدعاة وسمعوا عن الاسلام ..
وللالبان عاطفة لاعتناق الاديان بسرعة فاسلم افراد منهم عن قناعة ورضى النفس من دون اكراه ولا ارغام فيه كما يزعم بعض المغرضين ان المسلمين في اكثر اقطار الارض اعنتقوا الاسلام كرها .. وقيل ان اول مسلم جاء الى البلقان وعمل على نشر الاسلام بهمة وحماس هو سالي سالتيك التركماني وان نفوذه الروحي ونشاطه انتقلا الى بلاد الالبان وذلك قبل فتح العثمانيين البلقان ..
قد عرفنا من هذه الاقوال ان الاسلام دخل الى بلاد الالبان واعترفوا به قبل دخول العثمانيين بسنين عديدة
الا ان لهم الفضل الاكبر في نشره وذلك بعد فتح العثمانيين لبلاد الالبان سنة 1387 م .. وبدأ الالبان في هذا التاريخ يقبلون على الدخول في الاسلام شيئا فشيئا .. ولم يتنتشر الدين الاسلامي الا بعد ان اتم العثمانيون اخضاع مناطق كبيرة واعترف بنفوذ السلطان مراد الثاني لاول مرة سنة 1423 ميلادي حتى صار كثير منهم من جنود الدولة العثمانية .. وقد اشتركوا في فتح القسطنطينية (استانبول اليوم) واظهروا شجاعة نادرة .. ثم كان استيلاء العثمانيين على هذه البلاد تماما بعد وفاة السلطان محمد الثاني (الفاتح) سنة 1467 م .. ونشر العثمانيون في بلاد الالبان الاسلام حتى اصبح الاسلام دين غالبية السكان وصارت البانيا فيا بعد ولاية اسلامية تابعة لهم .. وفي القرن السادس عشر الميلادي اقبل الالبان على الدخول في دين الله افواجا فكان اهل المدن الكبرى اكثر اقبالا عليه ..
وكان للعثمانيين وسائل في نشر الاسلام من اهمها ما يلي :
اولا : كانت عمليات التحول الى الاسلام تتم في بعض الاوقات اثناء حفلات الختان ..
ثانيا : تشجيع المسيحين على اعتناق الاسلام وذلك باقامة حفلات شعبية عظيمة عند اعتناق احدهم الدين الاسلامي ..
ثالثا : اجراء الارزاق بسخاء على الذين يعتنقون الاسلام ..
رابعا : السماح بالاحتفاظ بالارض واللمتلكات لكل من يعتنق الاسلام ..
خامسا : منح الامتيازات لمن يعتنق الاسلام ..
سادسا : ان اسارى الحرب كانوا يعتقون من الرق اذا هم دخلوا في الاسلام ..
سابعا : يعفى من الضريبة من اعتنق الاسلام ..
ثامنا : اتاحت الدولة العثمانية الفرص امامهم للعمل الذي يدر ربحا وفيرا تشجيعا لهم على الدخول في الدين الجديد ..
• أهم الحقب التاريخية :
في عام 1389م
دخل الإسلام إلى كوسوفا ، إبَّان المواجهة الحاسمة بين العثمانيين والصرب ، في معركة "قوصوه" أو "كوسوفا" "أمسيفيلد " , وهُزم الصرب في تلك المعركة، وقتل فيها ملكهم بعد هزيمة جيشه.
في عام 1483
تمكنوا من توحيد البلقان تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية للقرون الأربعة التالية.
واشتدت المؤامرات على الدولة العثمانية من الداخل والخارج , وانتهت حرب البلقان بضياع جميع أراضي الدولة العثمانية في القارة الأوروبية. ودفعت البانيا وكوسوفا بوجه اخص ثمنا باهظا عندما آذنت شمس الامبراطورية العثمانية الى المغيب .
في عام 1912
كانت مذابح بداية رحلة الشتات في التاريخ الالباني الحديث فانها ايضا كانت بداية رحلة الاحزان بالنسبة للذين بقوا في كوسوفا وقدر لهم ان يعيشوا غرباء تحت حكم الملكية اليوغسلافية.
في عام 1882
عمل الصرب على إنهاء الوجود الإسلامي في البلقان، وقادوا تحالفا مع بلغاريا والجبل الأسود واليونان لطرد الدولة العثمانية من البلقان، للانفراد بالمسلمين هناك. وتمكنت صربيا من قيادة التمرد ضد الدولة في منطقة البلقان واستطاعت أن تستقل أخيرا عن الدولة العثمانية بعد هزيمة العثمانيين في الحروب الروسية-العثمانية . وأُعلن قيام مملكة الصرب في 1882.
في عام 1908
أرغمت بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وإيطاليا السلطان عبدالحميد على منح ولاية مقدونيا إدارة خاصة ومستقلة عن إدارة استنبول.
في عام 1910
أعلنت بلغاريا استقلالها عن الدولة العثمانية. وبادرت النمسا إلى ضم مقاطعتي البوسنة والهرسك إليها. وأعلنت جزيرة كريت التحاقها باليونان.
سنة 1912م
وأثناء الحرب البلقانية العثمانية ، اعطت الحكومة العثمانية البانيا حكما ذاتيا واسعا , وسرعان ما أعلن الألبان استقلالهم عن الدولة الإسلامية العثمانية ، وكان هذا أكبر خطأ ارتكبه الألبان - رغم أنهم آخر الشعوب التي خرجت على الدولة الإسلامية العثمانية - ومنذ ذلك الوقت أعلن "الصليبيون" في البلقان حربهم ضد الإسلام والشعوب المسلمة هناك. وفقدت العديد من مدن البلقان أثارها العثمانية .
عام 1912م
وفي مؤتمر عقدته الدول الغربية المنتصرة في لندن ، تم توزيع أجزاء من أراضي بلاد الألبان ذات الغالبية المسلمة على المنتصرين. وبعد أن كانت مساحة ألبانيا حوالي 70 ألف كم2 فإنها بعد اقتسام الغنيمة تقلصت إلى 29 ألف كم2 فقط .. وتوسعت اليونان وصربيا والجبل الأسود على حساب التركة العثمانية ورغم ذلك ظلت ألبانيا أول دولة أوروبية ذات غالبية مسلمة .وبادرت “لجنة المراقبة الدولية” إلى وضع القانون الأساسي للدولة الألبانية التي فصلت بموجبه الدين عن الدولة، وأصبحت ألبانيا أول دولة في العالم الإسلامي تنتهج العلمانية .
وكانت كوسوفا من نصيب المملكة الصربية آنذاك، ومن يومها بدأت المذابح الجماعية للمسلمين في البلقان عموماً، وفي البوسنة و كوسوفا خصوصاً وتقول إحدى الإحصائيات بأن عدد قتلى المسلمين في كوسوفا وحدها ربع مليون نسمة، هذا غير عشرات الألوف من المهاجرين من ديارهم فراراً بدينهم
وبدأت مؤامرة جديدة بين تركيا العلمانية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وحكومة يوغسلافيا بإفراغ البلاد من المسلمين، من خلال تهجير أعداد كبيرة منهم. وبالفعل تم التوقيع على اتفاقية في عام 1938، تقضي بتهجير 400 ألف عائلة ألبانية مسلمة إلى تركيا نظير مبلغ من المال. ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون تنفيذ الاتفاقية، وكانت الادارة اليوغسلافية تعلن على الجميع ان المسلمين ليس لهم مكان في كوسوفا، وان مكانهم الطبيعي هو في تركيا . واستمرت سياسة التهجير التي كانت تنشط وتهدأ تبعا للظروف حتى شهدت الخمسينات حملة تهجير واسعة النطاق لم تمانع الحكومة التركية في قبولها.
وخلال الحرب العالمية الثانية ظل قادة حركة التحرير الشعبية الماركسية بيوغسلافيا يتوددون إلى الشعب الألباني المسلم في كوسوفا لإقناعهم بأن من حقهم الاستقلال عن المملكة الصربية، وأنهم في حال تسلمهم مقاليد الحكم في البلاد سيعيدون هذا الحق المغتصب للمسلمين في كوسوفا.
وبعد أن اعتلى الماركسيون الشيوعيون الحكم في البلاد قاموا بحملة إبادة واسعة للشعوب الإسلامية المنكوبة التي سيطروا عليها، وأرسلوا وحدات من الجيش لاحتلال كوسوفا الأمر الذي فوجئ به الألبان، وظلوا يقاومون الجيش طيلة ثلاثة أشهر - من شهر ديسمبر 1944م إلى فبراير 1945 م - وسقط 50 ألف شهيد من الشعب الألباني المسلم.
في عام 1945 م
قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تقسيم الأراضي الألبانية المحتلة بين ثلاث جمهوريات - هي صربيا، ومقدونيا، والجبل الأسود ومن ثم فقد الحق إقليم كوسوفا بصربيا، وسلمت بعض الأراضي الألبانية ومن عليها من سكان "ألبان" إلى جمهوريتي مقدونيا والجبل الأسود، مما شتت العديد من أفراد الأسرة الواحدة بين هذه الدول. ثم أُعلنت قيام اتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية الشعبية و تيتو رئيساً لها. كان هذا الاتحاد يضم كل من صربيا، كرواتيا، سلوفاكيا، البوسنة و الهرسك، الجبل الأسود و مقدونيا . ونص الدستور اليوغسلافي الذي صدر سنة 1946 م، على "تبعية كوسوفا لصربيا" كإقليم يتمتع بحكم ذاتي، وظل يتقلص تدريجيا إلى أن ألغي بالكامل في دستور سنة 1963 م. وبصدور دستور سنة 1974م تم تثبيت الحكم الذاتي وأصبحت كوسوفا بموجبه وحدة فيدرالية وهو ما انطبق على البوسنة أيضاً.
قام المسلمون سنة بثورة شعبية على مستوى كوسوفا كلها، يطالبون فيها باستقلال كوسوفا عن صربيا ومنحها حكم ذاتيا فامرت السلطات الصربية القيادات العسكرية بقمع انتفاضة الشعب المسلم، فنزل الجيش المدجج بأفتك أنواع الدبابات والأسلحة الحديثة وراحت تحصد المسلمين وهدم البيوت وتدمير المنشات الخدمية وانتهاك حرمة المساجد والمدارس الدينية، وهتك أعراض المسلمات.
ومع كل هذا القمع الشديد استمر المسلمون في المطالبة بحقوقهم حتى ممات تيتو عام 1980، فكان بداية النهاية للاتحاد اليوغوسلافي وتفكيكه وراحت كل جمهورية تعلن الاستقلال عن يوغسلافيا . فأعلنت البوسنة استقلالها بعد سلوفينينا (وكرواتيا) وهنا قامت قيامة أعداء الله، فأعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين، وصرحوا على الملأ " بأنهم لن يسمحوا بقيام دولة إسلامية في أوروبا" ثم حدث بعد ذلك ما حدث من الجرائم الوحشية والمذابح الجماعية التي ارتكبت في حق هذا الشعب المسلم، والتي شهدها العالم بأسره !
في 1991م
أجرى المسلمون الألبان في كوسوفا استفتاء عاماً ، أسفر عن الانحياز للاستقلال، وتطور الأمر إلى انتخاب مجلس نيابي، وتشكيل حكومة، وتنصيب رئيس لجمهوريتهم المستقلة هو الدكتور إبراهيم روغوفا، ولكن الحكومة الصربية تجاهلت كل هذه الإجراءات، وبدأت بحملات الاعتقالات والتعذيب، والاضطهاد فاقت سابقتها، وارتكب الصرب جرائم كبيرة ضد هذا الشعب المسلم، في ظل صمت مطبق ولم يكن من خيار إلا المقاومة والانتفاضة ضد الصرب المهيمنين على البلاد. وزادت الجرائم الصربية والتصفيات الجسدية، وتدمير المساجد، والمنازل، (واغتصاب المسلمات) وبدأت جرائم الحقد الصليبي الصربي تتوالى على المسلمين :
فتم إبعاد اللغة الألبانية عن كل تعامل رسمي، ومُنعت منعاً باتا في المدارس والجامعات. وطرد كل ألباني مسلم من وظيفته العمومية والمراكز الحساسة كالأمن والجيش، وقتل 100 جندي مسلم خلال خدمتهم العسكرية في الجيش اليوغسلافي وجرح 600 في حالات اعتداءات متكررة استهدفت طرد المسلمين من الجيش لمنع المقاومة المسلحة ضد الصرب.
قامت السلطات الصربية في سنة 1990 بوضع السم القاتل في خزانات مياه المدارس بمدن كوسوفا، فتسمم منها سبعة آلاف من أطفال المسلمين .
أغلقت القوات الصربية جميع المدارس الابتدائية والثانوية الألبانية، وأتبعتها بجامعة بريشتينا الألبانية، وقامت بطرد جميع طلابها.
أغلقت المكتبات المركزية في جميع مناطق كوسوفا، وصادرت الكتب العلمية النادرة، ونقلتها بواسطة الشاحنات العسكرية إلى مصانع الورق، لإعادة تصنيعها ورقا عاديا!!.
* ولا يزال القوم يواصلون اعتداءاتهم وجرائمهم البشعة ضد الشعب المسلم في كوسوفا، ولعل أبشعها المذبحة التي حدثت في أيام شهر رمضان 1419هـ في قرية (راتشاك) والتي قتل فيها أهل القرية جميعا.
واتجه الشعب الألباني المسلم في كوسوفا إلى العمل المسلح للدفاع عن هويتهم، ومقاومة العدوان الصربي الصليبي على بلادهم