رحلة إدوار إلياس إلى أوروبا والجزائر المحتلة 1900
ارض العجائب ... تلمسان مدينة الينابيع والبساتين
إدوار الياس أديب ورحالة سوري، كان مقيماً في مصر، إلى جانب عدد لا يستهان به من مثقفي الشام، بين القرنين التاسع عشر والعشرين، سبق لنا ان سلطنا الضوء في هذه الصفحات على بعض رحلاته الأوروبية، وهنا نركز الضوء على جوانب مجهولة من نصوصه المتعلقة برحلاته في الشمال الإفريقي، أو المغرب العربي الكبير، وكان جزء منه يومها تحت الاحتلال الفرنسي. وهذه النصوص جزء من كتاب تحت عنوان “الأولمب الإفريقي” ستصدر خلال الأسابيع المقبلة، طبعتان منه عن “المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق” واحدة في الجزائر بالتعاون مع منشورات “البيت”، وهي دار نشر جزائرية، وأخرى في بيروت بالتعاون مع “المؤسسة العربية للدراسات والنشر”.
يمتلك إدوار الياس، عين سائح تقليدي بامتياز، لم يشغل باله بعلاقة الجزائريين بغريمهم الاستعماري، ومع ذلك فإذا ما قيض لنا أن نرى الجزائر من خلال يوميات إدوار الياس، ورحالة آخر معاصر له وصل إليها عن الطريق نفسه، بعد عام واحد فقط، هو الزعيم الوطني محمد فريد بك، فإننا نقع على صورة بانورامية كبيرة ووافية لمعرفة ما الذي كان يحدث وأين في جزائر مطلع القرن العشرين، وهي البلاد الشاسعة في مساحتها، الغنية بالموارد الطبيعية، الخصبة بتربتها، المتنوعة بزراعتها، البديعة بمناظرها الساحرة الخلابة الجامعة بين جبل وبحر ونهر وصحراء، واطلق عليها الرومان اسم عروس المتوسط، وكانت مستعمرتهم المدللة، يقول في أوراقه:
السفر إلى الجزائر ممكن من مرسيليا إلى عاصمة ذلك القطر على أقرب الطرق، ولكنني اخترت الذهاب منها إلى وهران أولا لما أن وهران هذه واقعة على مقربة من مدينة تلسمان عند حدود مراكش منها. وعليه ركبت باخرة من سفن شركة “ترانس اتلانتيك” الفرنسية، وكان في جملة ركابها عدد يذكر من الإسبانيين ذاهبين إلى وهران، ليسافروا منها إلى قرطاجنة، وهي مدينة على شطوط إسبانيا الجنوبية، تبعد عن وهران نحو 4 ساعات، ومنها يتقدم المسافرون إلى داخلية إسبانيا، وكان سير الباخرة إلى الغرب وقد قام على يمين وجهتها قلعة ديف وإلى اليسار صخور رملية كأنها الرابيات، وبعد أن غابت مرسيليا عن الأنظار وسارت الباخرة في عرض البحر. بقينا يوماً على هذه الحالة حتى ظهرت لنا في الغد جزائر باليار فجعلت الباخرة تسير أمامها، وهي من أملاك إسبانيا مساحتها 5014 ميلاً مربعاً، وقاعدتها ماجوركا، وعدد أهلها 312655 نفساً.
وحدث أن بعض آلات الباخرة تعطل عند هذه الجزر فتعطل سيرها نحو ساعة ريثما أصلحت، واضطرب الركاب ولا سيما النساء منهم، فما هدأ الروع إلا بعد أن علموا حقيقة الحال. ولكن القوم عادوا إلى الاضطراب في الليل بسبب هياج البحر وتعالي الأمواج. ولما كان صباح اليوم الثالث أطلت الباخرة على شطوط وهران، فرأينا جبل موجاجو وعلى قمته قلعة سانتا كروز، بناها ماركيز إسباني بهذا الاسم سنة ،1708 ولما بطلت أهميتها بنى الفرنسيون قلعة جديدة على الجبل المذكور، وأخبرني أحد ضباط الباخرة أنه يمكن للمرء أن يرى بعض ثغور إسبانيا مثل قرطاجنة والميرية من هذا الجبل حين يكون الجو صافياً. ولما ألقت الباخرة مرساها في وهران، كان قد مر علينا 40 ساعة في السفر من مرسيليا. وتأملنا المدينة عند ذلك فإذا نصفها مبني على الجبل المذكور، وهو أجرد أقرع لا خضرة فيه ولا نبت، والنصف الآخر في الحرف من ذلك الجبل، فلا بد من السير صعداً والدوران المألوف للذي يريد الذهاب من الميناء إلى البلد، ولهذا ركبنا عربة من الفندق تجرها أربعة أفراس، وجعلت تسير بنا الهوينا وهي تتقدم صعداً بسير رويد مرة تنثني إلى الشمال ومرة إلى اليمين. ولحظت أن عربات العفش تجرها 6 أفراس، ولو قَلَّتْ أحمالها بالنظر إلى صعوبة السير في هذه الطرق. ولما بلغت الفندق أرسلت نظري إلى البحر فإذا الباخرة التي جئت بها راسية في منخفض كأنه واد عميق.
وهران: في هذه المدينة حوالي 72738 نفساً من السكان، منهم نحو 36 ألفا من المسلمين، و24 ألفا من الفرنسيين، و 8 آلاف من اليهود، والبقية خليط من الأجانب الشرقيين والغربيين. وهي قاعدة إقليم وهران، فيها الدوائر الإدارية والعسكرية وتعرف عند الفرنسيين باسم اوران ولعل اسمها محرف عن “خوران” لأنها كانت في الأصل مبنية بين خورين تجري المياه فيهما مدة الشتاء.
ولابد من القول هنا أن وصف مدائن الجزائر لا يتضمن ذكر العمائر الفخيمة والمشاهد العظيمة والمتنزهات البديعة كالتي ورد ذكرها في مدن أوروبا وأمريكا، ولمن المزية هنا في اختلاف العناصر وأجناس البشر، مما يقل نظيره، وفي قيام المدن الداخلية على قمم الجبال يختلف علوها ما بين 600 متر و،700 ومن حولها الأودية المتسعة كثيرة الزرع والغرس، ولكل من هذه المدن أسوار عالية، يراد منها الدفاع ساعة اللزوم. مثل وهران هذه لها سور يحيط بها وارتفاعه 5 أمتار، وقد جعلوا له 4 أبواب لداخل البلدة. والناس هنا تعرف أجناسهم من اختلاف ملابسهم، فالمسلم يلبس الطربوش المغربي الكبير وله زر (شرابه) طويل يبلغ الأكتاف تقريباً، فإذا لم يكن لطربوشه زر لف عليه عمامة بسيطة أو مجدولة كالحبل من شعر الجمال، وله صديري بأزرار وحزام احمر عريض وسراويل فوق سراويل قصيرة إلى الركبة ومن تحتها جوارب بيضاء صنع اليد وحذاء أصفر مكشوف.
ونساء المسلمين يبالغن في التحجب والتستر، تلتف الواحدة منهن بحرام من الصوف فلا يظهر منها غير إحدى العينين، ولم ألتق مدة وجودي إلا بامرأة واحدة، لأن المرأة المسلمة لا تخرج من منزلها، وإذا ما دخلت بيت زوجها بقيت فيه إلى يوم الممات، ولم تتعرف إلى جاراتها من النساء، وفي ذلك مبالغة في الحجاب قليل مثلها في بقية الأقطار.
وأما اليهود من أهل هذه المدينة فلبسهم يعرف بالعمامة البيضاء أو السوداء والسراويل فوقها القفطان، وبعضهم يلبس الطربوش المغربي فوق الملابس الإفرنجية، ونساء اليهود يلبسن الفساطين البسيطة، ومن فوقها شال وعلى الرأس منديل. ولليهود قوة سائدة هنا حتى إن يوم السبت يعد بمثابة العيد في المدينة يقفل فيه قسم كبير من المخازن والحوانيت، وتجلس نساء اليهود أمام البيوت بالملابس المقصبة والحريرية وبأنواع الحلي.
بقايا الإسبان: ويكثر العنصر الإسباني في وهران وأقاليمها لأن إسبانيا استولت عليها نحو 250 سنة. وأما الآن فإن المنظر الأهم فيها لجنود فرنسا، لأنها الدولة المالكة ولجيشها شهرة في نظامه وهندامه. والفيلق الفرنسي المعسكر في الجزائر، يعد طليعة الجيش في كل حرب تقع لدولته في الشرق مثل مدغسكر أو الصين، ذلك لأن هذه الجنود لها القدرة على احتمال الحر، ومتاعب السفر ولها شهرة بالبسالة تضرب بها الأمثال.
رد: ارض العجائب ... تلمسان مدينة الينابيع والبساتين
المدينة وأحياؤها: وتقسم وهران أحياء عديدة يربط بعضها ببعض خطوط “ترامواي” متصلة إلى جميع الأطراف ومركزها العمومي موضع يعرف باسم ميدان السلاح، هو أحسن نقطة في المدينة، وقد جعلوه في وسطها مستديراً متوسط الاتساع وفيه أشجار من العناب والنخل والخروب تنمو مع المعالجة الدائمة لأن الأرض صخرية والماء قليل.
وفي طرف هذا الميدان بناء الحكومة فيه المصالح الأميرية، وقلم الجوازات وقلم المواليد والوفيات، وقد وضعوا عند مدخل هذا البناء أسدين كبيرين من الرخام الأبيض، ارتقيت الدور الأعلى من هذا البناء على سلم من الرخام الأبيض والأصفر، كالموجود في جامع قلعة مصر، وأصله من مديرية بني سويف، كما أن أصل هذا السلم في بناء وهران من مقلع إلى جانبها. وفي الطرف الآخر من هذا الميدان ناد للضباط لا يدخله سواهم، وبني داخل حديقة صغيرة تصدح الموسيقا العسكرية فيها كل يوم بعد الظهر، وقد تقام فيه حفلات يدعى إليها الأعيان والوجوه.
وفي هذا الميدان محطة الترامواي العمومية، ومنه تتفرع احسن شوارع المدينة، بدأت الفرجة بأحسنها وهو شارع “سيجي” على اسم أحد القادة الفرنسيين، يشبه شارع الموسكي في مصر بحركته التجارية المهمة، وكثرة المختلفين إليه من وكلاء المعامل الأوروبية، ولا سيما معامل ألمانيا، يعرضون مصنوعاتها على التجار الأجانب والوطنيين، ويشترون منهم أنواع الجلد والصوف والشمع. ولما انتهيت إلى آخر هذا الشارع سلكت شارعا آخر ينتهي إلى ضاحية باسم غاميتا، وفيه تمثال السياسي الشهير المعروف بهذا الاسم، كتب على قاعدته أنه تذكار من أهل وطنه العارفين فضله.
جامع الباشا: وعلى مقربة من ميدان السلاح جامع الباشا، بناء محمد باشا حاكم وهران سنة ،1791 وتهدم على مر الأيام، فذهب وفد من أهالي المدينة إلى باريس يرجو الإمبراطور نابليون الثالث بترميمه على نفقته، فأذن وكتبوا على بابه هذه العبارة “إن نابليون الثالث أمر بترميم هذا الجامع سنة 1857” قرأتها، ودخلت الجامع فوجدت فيه أروقة ملبسة بالقيشاني الأزرق، وفيها مدرسة للصبيان. وفي داخل الجامع مغاربة التفوا بالاحرمة بعضهم في صلاته والبعض نائم، ودعاني شيخ هذا الجامع للصعود معه إلى الصومعة أو هي المئذنة، ففعلت ورأيت البلدة بكل ضواحيها من ذلك المكان.
الأحياء السفلى: وزرت بعد ذلك الأحياء السفلى من المدينة، حيث يسمونها بذلك تمييزاً لها عن الأحياء العليا، وهذه الأحياء مثل بلد قائم بنفسه، سرت في شارع كليبر منها وشارع ملاكوف وشارع الجمهورية، وكلها أسماء فرنسية حلت محل الأسماء العربية القديمة، حسب عادة الفرنسيين في أملاكهم. وقد زرعوا بعض الشجر في هذه الأحياء السفلى فنمت فيها خلافاً للأحياء العليا. ويتصل بها متنزه يبتدئ من رأس المدينة اسمه لتانج على اسم قائد فرنسي تفرد في حرب الجزائر ثم صار حاكماً لإقليم وهران، ويمتد هذا المتنزه إلى الأحياء السفلى متعوجاً ملتفاً، فيرى السائر فيه البحر، ونهر الرحى سمي بهذا لأن الرحى أو المطاحن أقيمت عليه في أيام العرب، وكانوا يديرونه بضغط الماء.
مدينة فرنسية محضة: وقد زرت مدة إقامتي فيها عدة أماكن غير التي ذكرتها، ولكنها لا تهم القراء، وتركتها بعد ذلك قاصداً تلمسان، وهي على بعد 165 كيلو متراً، يجتازها القطار في 5 ساعات. وكان أول هذه المسافة سهلاً فسيحاً لا ترى العين آخره زرعت فيه الحبوب والكروم وأشجار التين والزيتون، وكثرت فيه القناطر الحديدية فوق جداول الأنهر وفيه عدة ينابيع يتفجر الماء من أرضها وتروى بمائها المزارع والأغراس، وظللنا على هذه الحالة حتى بلغنا بلدة أبي العباس، وهي في منتصف الطريق اسمها بلسان المغاربة “بلعباس”، وتعد مركز قبيلة بني عامر التي اشتهرت بالحرب تحت قيادة الأمير عبد القادر، ولذلك رأت حكومة فرنسا في سنة 1850 أن تجعلها من مراكز الجيش الفرنسي، فهي اليوم مدينة فرنسية محضة، فيها مياه كثيرة من نهر مخاره وأرضها خصبة طيبة فلا يقل سكانها الآن عن 27000 نفس. ووقف القطار في هذه المحطة نصف ساعة انتهزت فرصتها وركبت عربة دارت بي في الطرق والشوارع، فألفيتها نظيفة زرعت أشجار الدلب إلى جانبيها مثل شوارع مرسيليا، ولها تياترو يأتون له بجوق فرنسي كل سنة، وفيها سوق على شاكلة أسواق المدن الأوروبية. وعدت إلى القطار في موعد قيامه، فعاد بنا المسير في وادٍ بين جبلين وفيه نهر تليتات مثل كل انهر هذه البلاد أو بلاد الشام وهي جداول قليلة المقدار.
الوصول إلى تلمسان: وأما تلمسان فإنها من أجمل مدن الجزائر الداخلية، وجدت في بقعة من الأرض تكثر فيها ينابيع الماء، ملأى بالحدائق، والبساتين تزرع فيها كل أشجار فرنسا وأثمارها، ولمنظرها عامة رونق وبهاء، ويبلغ عدد سكانها الآن حوالي 35000 منهم 3500 فرنسيين و4500 يهود والبقية من الأهالي، وقد بنيت على جبل ارتفاعه ألف متر ومن حوله الأودية مرصعة بالقرى تحكي مناظر جبل لبنان. وفي المدينة وضواحيها مواضع ومتنزهات كثيرة تستحق الذكر مثل غاب بولونيا، والشلال وبلدة سيدي أبي مدوين، وجامعها المشهور، ومدينة المنصورة بنيت سنة 530 هجرية (1145 مسيحية) وبداخلها قلعة يسمونها قصر المشورة، لأن العرب كانوا يعقدون المجالس فيها للمشاورة، وقد دخلناها من باب عال متسع فوقه ساعة فلكية من الساعات العربية القديمة كان لها شهرة مثل ساعة ستراسبرج في هذه الأيام، ولكنها تخربت من طول الزمان، وقد جعلوا هذا الموضع الآن مركزاً للإدارة العسكرية الفرنسية، وبنوا فيه أبنية كثيرة على النسق الأوروبي. ولهذه القلعة ساحة داخلية طولها 500 متر وعرضها 300 ولها سور سمكه 3 أمتار تقريبا. ومما يروى عن محاسن هذا القصر في أيام العرب أن يوسف ابن تاشفين أمر بأن توضع في ساحته شجرة من الفضة وفيها الطيور على أشكالها من الفضة أيضا، وأنها تتحرك وتخرج أصواتا كلما هب عليها الهواء.
شارع فرنسا: وسرت في شارع فرنسا من شوارع هذه المدينة ما بين أبنية ذات دور واحد وصفوف من الحوانيت تباع بها السلع الإفرنجية والعربية، وفيها القهاوي بعضها للفرنسيين والبعض للعرب، وهم يجلسون فيها على مقاعد من الجريد، ويشربون القهوة من فناجين كبيرة من غير ظرف، والأولاد أمامهم يلعبون أو يمرنون الكلاب على النباح، وبعض الأولاد يلبس العباءة البيضاء أو اللبدة أو المركوب الأصفر، وبعضهم حفاة أو عراة وقد لحظت أنهم ذوو شدة وعناد، لا يسمعون كلام الرجال الذين ينتهرونهم ويردونهم عن الصياح. ورأيت بعض المراكشيين الذين يأتون هذه المدينة يستغربون نور الغاز وأعمدته فيتسلقها بعضهم ويضعون يدهم على النور ليروا إذا كان من نار تحرق أو لا.
وفي طرف هذا الشارع ميدان الجمهورية، أذنت الحكومة للأهالي أن يبيعوا فيه السلع والخضر والفواكه، فهم يبسطونها في أرضه مدة النهار ويغسلون الأرض عند الغروب ثم ينصرفون. وعلى مقربة من هذا الميدان متحف دخلته فرأيت فيه كثيراً من الآثار العربية وجد أكثرها في جوار هذه المدينة، وفي جملة ذلك الذراع الذي قرر طوله يوسف بن تاشفين ما زال يعرف باسم ذراع الملك، وهو قياس الناس في أعمالهم يرجعون إليه منعاً للغبن.
والذراع المذكور من زجاج فرض عليه النصف والثلث والربع وبقية الأجزاء، وجده ضابط فرنسي في قيصرية (سوق) تلمسان فنقل إلى هذا المتحف، وعلق فيه داخل غطاء من البلور، فيراه الراءون ولا يمسونه، وهو من الآثار النفيسة حتى أن فرنسا فكرت حينا في نقله إلى اللوفر في باريس، ولكنها عادت وأبقته في موضعه الحالي.
وفي المتحف المذكور حجارة على شكل القنابل صنعت من الرخام الأبيض والأزرق طول الواحد منها متر وعرضه نصف متر ووزنه 100 كيلو إلى 130 ومنظرها يقرب من منظر قوالب السكر أو قنابل المدافع في المدرعات الحربية، وبعضها كرات مستديرة وكلها من الرخام كانت تلقى على الأعداء في زمان الحصار.
الجامع الكبير: وتجاه هذا المتحف الجامع الكبير وهو بقية ما بقي من 61 جامعاً كانت في تلمسان، دليل ما كان لها من الأهمية السابقة، وبناء هذا الجامع متين كغيره من جوامع هذه البلاد فربما بقي قروناً أخرى بعد الآن. وسقفه واطئ كغيره في بلاد المغاربة، وهم لا يبنون الجوامع الشاهقة كالتي نعرفها في مصر وبلاد الدولة العلية، وقل أن يزيد ارتفاع جوامعهم على 25 متراً، أو 30 والجامع الذي نحن بصدده قائم على 13 قنطرة وهي قائمة على 72 عموداً مستدقاً من الرخام وله ثمانية أبواب، وسقفه من خشب السنديان طلي باللون الأسود، وقناطره كلها مطلية بالجير الأبيض الناصع، وليس يخلو الجامع من بعض المصلين في كل حين، ولكنه يكثر اجتماع الناس فيه للتحدث بشؤونهم العمومية وهم يقعدون على شكل دائرة ويتكلمون بصوت خافت وعليهم أدلة الوقار والخشوع، وهم لا يأنفون من دخول الزائرين جامعهم إذ كانوا من غير المسلمين.