مقدمة :
وكانت زيارتي لها بالقطار وكانت الزيارة تجوالاً في منطقة السنتر ، ثم عدت أدراجي وغادرت المدينة ، كان يدور في رأسي تساؤل لازال مهيمناً على تفكيري إلى هذا اليوم .. المدينة كبيرة .. لاتكفيها زيارة واحدة لساعات محدودة .. متى استطيع الإلمام بكل ماتحويه وكم يكفيني من الوقت لذلك ؟.. توجد الكثير من الأسرار في داخل وخارج هذه المدينة ... ولكن يبقى عامل الوقت الأهم كي اتمكن من سبر أغوار هذه المدينة الكبيرة التي انبهرت من كبر حجمها حينما زرتها الشهر الفائت ، حينما قدت السيارة لأول مرة في النمسا وزاد من روعة التجربة زيارة هذه المدينة وسبر أغوارها والتجوال في شوارعها الفسيحة .. ترى كنت اتساءل .. هل هذه هي مدينة فيلاخ التي زرتها قبل ثلاثة أعوام ؟ فحينما كنت في الاراضي السلوفينية كانت يدي تتحرى لحظة غفلة مني كي توجه المقود تلو الاراضي النمساوية .. ودخلت الاراضي النمساوية للمرة الخامسة في حياتي ولكن كانت بوسيلة مختلفة عن وسائل التنقل التي كنت اتبلغها لتلمس دروبي في الأراضي النمساوية ..

في مساء أحد الأيام التي قضيتها في قرية بليد Bled الساحرة في سلوفينيا ، توجهت من دون شعور نحو الأراضي النمساوية قاصداً مدينة فيلاخ ..
كم كان الجو رائعاً مساء ذلك اليوم ، وكم كنت منتشياً وأنا أقود سيارتي على سجيتي تلقاء مدينة فيلاخ ..
مررت ببعض القرى الجميلة في الجانب السلوفيني قبل أن ادخل الأراضي النمساوية ، وقبيل الدخول الى الاراضي النمساوية توقفت عند إحدى محطات الوقود لشراء استيكر الدخول للأراضي النمساوية بمبلغ 7 يورو فقط لمدة اسبوع .. حيث كانت تنقلاتي المعتادة عبر وسائل النقل العامة من القطارات والحافلات وفي بعض الأحيان .. سيارات الأجرة .. إلا أنني لم اعهد أن قيادة السيارة بهذه الروعة هناك حينما تكون أمير نفسك وتتنقل على سجيتك .. تقف هنا أو هناك .. في أي مكان يحلو لك .. تزور أي مكان يخطر على بالك مهما طالت المسافات .. فأنت لن تشعر بمسافة الطريق في أحضان الطبيعة والجمال ..
بوابة الدخول إلى البلاد النمساوية - المركز الحدودي بعد شراء استيكر او تصريح قيادة السيارة من إحدى محطات الوقود التي تقع قبيل دخول الأراضي النمساوية .. قامت إحدى النسوة النمساويات الكبيرات في السن بتوجيهي للموظفة العاملة في بقالة المحطة وقمت بشراء الاستيكر ثم قامت تلك المسنة بلصقه على زجاج سيارتي في مكانه الملائم ، فشكرتها وانصرف كل منا إلى طريقه
بعد خروجي من نقطة التفتيش الحدودية إذا بي أشاهد هذا النفق العملاق والذي يخترق سلسلة الجبال الماثلة أمامي .. كانت المسافة قرابة ال 8 كيلو متر .. بالفعل كانت مسافة ليست بالقصيرة تأملت فيها عظمة الخالق سبحانه الذي أنشأ الجبال وفيما اسبغه من نعمه على عباده في تمهيد سبل هذه الارض التي نعيش عليها .. وقد دهشت من حجم هذا النفق وهذا المشروع العملاق الذي جعلني ارى بأن هكذا مشروع لايقل ضخامة عن مشاريع الجسور البحرية ..
من بداية النفق ونحن نمر بالمصابيح المعلقة على جدرانه والاشارات التحذيرية والمراوح العملاقة إضافة إلى بعض مرافق الانقاذ والخدمات والاتصالات تتوالى عليك إلى أن تخرج منه .. بعد فترة .. خرجنا من النفق ونحن لانعلم هل نحن فعلا قد دخلنا الاراضي النمساوية قبل ذلك النفق ؟ أم أثناء مرورنا من خلاله ؟ أم بعد الخروج منه ؟ ..
خرجنا من النفق ، وتبدى لنا البساط الأخضر الجميل عن يميننا وعن شمالنا ، وتبدت لنا السماء وقد اتشحت بأجمل نسيج طرزته حواشي السحب .. واصلنا المسير تلقاء فيلاخ .. والشوق يحدوني لمواصلة المسير ولزيارة تلك المدينة مجدداً ..
مع كل مسافة نقطعها من الطريق ، يبدأ الحلم في الاقتراب منا من جديد .. هانحن في منطقة كارنثيا ، نشارف على الاقتراب من مدينتنا المنشودة ,, وماعلينا الا القيادة لبعض الوقت حتى نصل إلى غايتنا المنشودة .. بدأت مدينة فيلاخ تتراءى أمامي .. فهل ياترى جد جديد في هذه المدينة منذ مغادرتي لها منذ ثلاثة أعوام ؟ استمريت في سيري وقد شرعت نافذة سيارتي لاستنشاق الهواء المنعش .. بعيداً عن غبار وأتربة بلادي الغالية ..
وما أجمل أن تمتع ناظريك بمنظر الخضرة والجبال وأنت سائر في طريقك .. لوحات ربانية ناطقة بالجمال تتجلي أمام ناظريك .. عن اليمين وعن الشمال .. مررنا ببعض الغابات .. والجبال البديعة .. تستهويك القيادة وأنت في أحضان الطبيعة البكر .. فلا تشعر بالزمان وأنت في هذا المكان .. ولا تشعر بمسافة الطريق التي تقطعها ..
اقتربنا من مدينتنا المنشودة .. فيلاخ .. فلم يتبق عليها إلا مسافة 10 كيلومترات ... مدينة عانقتها البحيرات .. وحوتها الجبال السامقة واحتضنتها الغابات والاشجار.. مدينة اخترقها نهر دراو Drau الذي يتبختر على خارطة النمسا ويتجه نزولاً إلى الأراضي السلوفينية تلو مدينة ماريبور Maribor ..
وهنا كنا على مفترق طريقين ولك الخيار .. إما تتجه إلى البلاد الإيطالية يمنة .. أو أن تستمر على طريقك نحو فيلاخ .. سالزبورغ .. فما أروعها من لحظات حينما تقود سيارتك وتجد الطرقات مفتوحة أمامك تؤدي بك إلى أي مكان تهواه .. فما عليك إلا الأختيار فقط .. 
لم نشأ التوجه إلى أي مكان آخر سوى فيلاخ .. وكأن الطريق يريد أن يقنعنا ببعض الوجهات الأخرى التي تسبق فيلاخ أو إلى دول أخرى .. كانت بعض الوجهات تغازل مقود سيارتي إلا أنني أصررت على فيلاخ .. مع كل لوحة تقابلني .. حتى اتفقت جميع لوحات الطرق على فيلاخ .. وهنا ومن هذا المشهد لفت نظري كبر حجم هذه المدينة .. فعلى اليمين يؤدي بك الطريق إلى بحيرة " فاكر سي Faaker See " في فيلاخ .. أما في حال استمرارنا على ذات الطريق فسنصل إلى فيلاخ بمشيئة الله تعالى ..

اقتربنا من فيلاخ .. مدينة البحيرات .. فاكر سي - اوسياك سي - وورثر سي - ميلستات وهي اجمل البحيرات الجنوبية النمساوية ، ولكننا سنتوجه يمنة للوصول إلى مدينتنا المنشودة .. فلم يتبق الا القليل ، 3 كيلومترات فقط على فيلاخ ..
وهنا لوحة تبين لنا أننا على مشارف تلك المدينة ..
واستمرينا في طريقنا مروراً بين الاشجار الجميلة .. ما أجمل الطريق وما أبهى المناظر من حولنا ، تمنيت لو استمريت بالقيادة دون توقف ..شاهدت موقف الباص على يمين الطريق فتملكتني ابتسامة التحرر من أغلال المواصلات العامة ، حيث بت في غنى عن استخدام وسائل نقلهم .. فقد خرجت من قفصي الذي بت فيه حبيساً منذ سنوات وأصبحت كالطائر الحر الذي يطير بجناحيه إلى أي مكان يهواه !
لحظة الدخول إلى مدينة فيلاخ .. وهنا مررت بمحطة الوقود التي ترونها على يمينكم ، حيث توقفت فيها لبعض الوقت ..
قررنا التوقف عند أول مطعم نمر به في طريقنا لحظة دخولنا المدينة..