يوميات براغ
عند الساعة التاسعة ليلاً من يوم الإثنين 05/10 كنا قد توقفنا أمام الفندق الذي حجزنا فيه وهوLongin Center Prague- Marriott Executive Apartments، وفي مدينة براغ يوجد أكثر من 328 فندق من مختلف الدرجات، إلا أننا إخترنا شقق الماريوت، وقد كان إختياراً موفقاً، فقد كان الفندق في موقع قريب من مركز المدينة القديمة، وكان نظيفاً وفرشه ممتاز، ولكن الشقق به كان حجمها أصغر من مثيلتها في بودابست، ولا يعيبه إلا أن الطريق المؤدي منه إلى المدينة القديمة يتطلب المرور عبر شارع به الكثير من المناظر المؤذية، وهو أمر لم نكن نعلم به بطبيعة الحال، مما أعطانا إنطباعاً سيئاً ومقززاً للغاية عن تلك المدينة وأهلها، كما أن ـ تجربتنا في اليوم التالي ـ المرور عبر شوارع رئيسة أخرى قد زاد علينا مسافة المشي على الأقدام بنحو الضعف.
****
ودعنا سائقنا (بيرني) وعاد إلى بودابست من حينه، بينما صعدنا إلى الشقق المخصصة لنا لنضع أمتعتنا وللصلاة ومن ثم الخروج مرة أخرى، وبعد نحو ساعة خرجنا من الفندق بعد أخذ المعلومات وخريطة للمدينة من الإستقبال، وذهبنا إلى وسط المدينة القديمة وتجولنا بها مشياً على الأقدام حتى منتصف الليل، مروراً بأهم الشوارع والساحات والمعالم الرئيسة القريبة، وقد كانت مليئة بالسائحين، إلا أن الوقت كان قد تأخر كثيراً فقررنا العودة إلى الفندق بعد أن مررنا على مطعم للوجبات السريعة وأخذنا عشائنا منه.
اليوم(12)
يوم الثلاثاء 06/10 كان هو اليوم الأول لنا في براغ، ومنذ الصباح بدأنا بإجراء الإتصالات للبحث عن سيارة بسائق وقد تم العثور على سائق عربي معه سيارة ملك له، واتفقنا معه على أن يبدأ معنا من يوم غد، حيث فضلنا في هذا اليوم التعرف على المدينة القديمة بشكل أكبر خلال النهار، إضافة إلى رغبتنا في الإبطاء من وتيرة الحركة بعد إجهاد اليومين الماضيين.
غادرنا الفندق عند الساعة الواحدة والنصف تقريباً، وقد توجهنا أولاً إلى محل للصرافة حيث كانت أول الإنطباعات السيئة من التعامل، ثم توجهنا لشراء شرائح جوال محلية، وبعد ذلك بدأنا الجولة داخل المدينة القديمة Old Town Square، وقد مررنا بكل تمهل ـ ونحن نتسوق ـ على كثير من الشوارع والأزقة والساحات والمعالم، وكثير منها كنا قد مررنا به الليلة البارحة، بما في ذلك شارع زيتنا Zitna، شارع فكلفسكي Vaclavske' nam، شارع نا بريكوب Na Prikop، برج البودرة Powder Gate (وهو أحد مداخل المدينة القديمة)، موينسيبال هاوس Municipal House، ثم عدنا بإتجاه كاتدرائية سانت فيتوسSt.Vitus Cathedral، وساحة ستاروميستسكي nam Staromestske ، ثم توجهنا من هناك إلى الحي اليهودي Jewish Quarter (Josefov)، ومن خلاله سرنا عبر شارع باريزيسكا Parizska الفخم حيث الكثير من الماركات العالمية، حتى وصلنا إلى فندق الأنتركونتيننتال المطل على نهر الفلتافا بعد هبوط الظلام، وبعد وقفة جميلة جداً على جسرسوشوف Cechuv most، سرنا بمحاذاة النهر حتى وصلنا إلى فندق الفورسيزن الذي يعتبر أفخم وأجمل فنادق المدينة على الإطلاق، ثم أكملنا السير إلى جسر شارل التاريخي Charles Bridge أو كما يسمى أيضاً جسر كارل Karluv most، وبعد جولة ليلية سريعة عليه حيث كان مزدحماً بالسياح، إنعطفنا يساراً إلى وسط المدينة القديمة مرة أخرى من خلال شارع كارلوفا Karlova والأزقة الضيقة الأخرى التي تعج بالكثير من المقاهي والمطاعم، والمحلات التي كانت لا تزال تفتح أبوابها على الرغم من أن الساعة كانت نحو العاشرة ليلاً، وهي تبيع منتجات رائعة من الكريستال البوهيمي الشهير والصناعات التقليدية والتذكارات السياحية، وفي ساحة مال Male nam جلسنا في مطعم تابع لفندق U Prince للعشاء بعد جولة على الأقدام إستمرت لأكثر من تسع ساعات ثم عدنا إلى الفندق، وقد كنا في غاية التعب والإرهاق.
*****
اليوم(13)
كارلوفي فاري
يوم الإربعاء 07/10 وهو اليوم الثاني لنا، قررنا أن نذهب إلى مدينة كارلوفي فاريKarlovy Vary في هذا اليوم، لنتفرغ لزيارة القلعة والقصر الملكي والمالاسترانا والتسوق في اليوم الأخير لنا في براغ، حيث خشينا أن لا نذهب إليها فيما لو تركناها لليوم الأخير لضيق الوقت وإزدحام البرنامج.
كان السائق بسيارته عندنا منذ الساعة الحادية عشرة صباحاً، وفي الحقيقة لم نوفق لا بالسائق ولا بسيارته، فهو رجل عربي طيب القلب ولكنه غير ملم بصناعة السياحة مطلقاً، كما أن سيارته صغيرة الحجم وليست كما فهمنا منه، ولكن الوقت كان ضيق ولن نضيع اليوم في البحث عن بدائل.
غادرنا الفندق متجهين إلى كارلوفي فاريKarlovy Vary، والتي تسمى بالألمانية Karlsbad، كما تسمى بالإنجليزية Carlsbad، وهي تبعد 130 كلم إلى الغرب من براغ، بالقرب من الحدود مع ألمانيا، وقد كان الطريق سريعاً في جزء منه ومزدوجاً في معظمه وبه إصلاحات كالعادة، وبعد نحو ساعة وثلاثة أرباع الساعة كنا قد وصلنا إلى تلك المدينة.
وفي الحقيقة كنت قد رسمت في مخيلتي صورة معينة لمنتجع كارلوفي فاري قبل أن أراه، ولكن هذه الصورة تبددت إلى عكسها بعد أن وصلنا إليها، فقد ظننتها أصغر حجماً، كما أني لم أكن أتصور أنها ذات طبيعة جبلية.
أسست كارلوفي فاري خلال الفترة ما بين 1350 و1370م، وهي ترتفع بنحو 447 متر عن مستوى سطح البحر، ويوجد بها ثلاثة عشر نبع معدني حار رئيسي، إضافة إلى نحو ثلاثمائة نبع آخر أصغر منها، تزيد حرارة المياه فيها عن 72 درجة مئوية، إضافة إلى نهر تبلا Tepla River الذي تتدفق منه المياه الدافئة.
ومنذ قرون وحتى الآن حافظت كارلوفي فاري على مكانتها كأحد أهم المنتجعات الصحية في أوروبا التي يرتادها المشاهير والأثرياء وغيرهم من جميع أنحاء العالم، وفي الوقت الحاضر تبلغ مساحة كارلوفي فاري 59,1 كيلومتر مربع، كما قدر عدد سكانها في سنة 2008م بنحو 53708 نسمة،ويوجد بها أكثر من 54 منتجع صحي متفاوتة الدرجات والأحجام،وبها مطار دولي تهبط به الخطوط التشيكية Czech Airlines، والخطوط الروسية إير فلوتAeroflot، مما يدل على كثرة الروس المرتادين لهذا المنتجع.
وصلنا إلى كارلوفي فاري قبل الساعة الثانية بعد الظهر، وكان سائقنا لا يعرف المدينة جيداً، وبعد سؤال بعض السكان، توقفنا عند مركز المدينة القريب من الطريق الرئيس، وكان وقوفنا أمام محل يبيع أشكال غريبة من الشوكولاته لم يسبق أن رأينا مثلها، وبعد التبضع منه، تجولنا في الشوارع المجاورة الذي توجد بها الكثير من المحلات والمقاهي والمطاعم، وقد كنت أعتقد بأن هذه هي المدينة لا غير، إلا أن الباب العالي لفت نظرنا إلى خريطة للمدينة تدل على أنها أكبر بكثير مما نتصور وأن هناك منطقة ممتدة في الوادي من خلفنا، يوجد بها الكثير مما يجب رؤيته.
وبالفعل عدنا أدراجنا عبر الوادي على يمين النهر ذو المياه الدافئة، وقد كانت أعداداً كبيرة من الفنادق والمصحات والمقاهي والمطاعم على جانب الطريق، وقد سرنا عدة كيلومترات أي ما يقارب الثلاث ساعات شاهدنا خلالها الكثير من هذه المدينة المدهشة بمبانيها، حيث أنها جميعها تقريباً مباني قديمة تم بنائها منذ مطلع القرن العشرين وبعضها قبل ذلك، وقد تم ترميمها وتنظيفها وأعيد دهنها فأصبحت جميلة وأنيقة تشبه اللعب أو تلك الرسوم التي في قصص الأطفال.
وقد كان من الأمور الملفته للنظر أن المئات إن لم يكن الآلاف من الناس من كل جنس يتجولون وبأيديهم تلك الأكواب الخزفيه التذكارية التي يشترونها ليملأوها بالمياه المعدنية الساخنة والغنية جداً بالبيكربونات والتي تنتشر صنابيرها في أماكن كثيرة، فيشربون منها على مهل وكأنها شاي أو قهوة، وقد جربنا شرب تلك المياه فإذا هي مرة غريبة الطعم وهي فعلاً دواء وليست ماء.
كما مررنا بتلك النافورة من المياه المعدنية شديدة الحرارة التي تتدفق من باطن الأرض بشكل دائم كالبركان، وبذلك النصب اليهودي الذي يشير بوضوح إلى مدى تغلل نفوذ اليهود في التشيك عامة.
وفي السادسة مساءً ذهبنا للعشاء، ثم أخذنا جولة بالسيارة في أرجاء المدينة زرنا خلالها فندق سافوي Savoy Westend Hotel وفندق إمبيريال بالاس الذي يقع في أعلى جبل يطل على المدينة، ثم غادرناها عند الساعة الثامنة والنصف تقريباً عائدين إلى براغ، وعند الحادية عشرة ليلاً كنا أم الفندق بعد أخذ جولة صغيرة لمعالم براغ (6) الراقية التي كانت على طريقنا.
******
اليوم(14)
في يوم الخميس 08/10 وهو اليوم الثالث لنا في براغ، خرج الباب العالي وناظم بالسيارة قبل الظهر للتسوق، وبعد عودتهم قررنا أن نذهب لزيارة القلعة والقصر الملكي والمالاسترانا وأن نكمل ما فاتنا من السوق.
غادرنا الفندق الثنية بعد الظهر وكان الجو بارداً وجميلاً جداً، وبدأنا بزيارة المنطقة المحيطة بالقلعة والتي كانت تحفة في جمال ساحاتها ومبانيها، وتشرف على مدينة براغ كلها، ثم دخلنا قلعة براغ والقصر الملكي والكاتدرائية والساحات والمنازل الصغيرة القديمة المجاورة، ثم أنهينا جولتنا في مقهى جميل يطل على المدينة، وبما أن المطر قد بدأ بالهطول، طلبنا من السائق أن يوافينا عند محطة المترو الأقرب لنا، ومن هناك ذهبنا إلى السوق في المدينة القديمة.
*******
إن مما تجدر الإشارة إليه، أن أسعار السلع ـ وخاصة الكريستال ـ تتفاوت بشكل هائل بين معرض ومعرض مجاور قد تكون لديه نفس السلعة أو أفضل منها وبسعر أقل بكثير، قد يصل إلى 40% وهذا ما حدث معنا، فمن الواجب عدم الإستعجال أبداً بالشراء، ونحن نعلم هذا ولكن الوقت ليس في صالحنا.
وفي تلك الليلة عدنا إلى الفندق متعبين، ولم ننم إلا في وقت متأخر بعد أن أقفلنا جميع حقائبنا، إستعداداً للسفر غداً بإذن الله.
********
اليوم(15)
يوم الجمعة 09/10 وهو اليوم الرابع والأخير لنا في براغ، كان يوماً متعباً منذ بدايته، فقد إستيقظنا في الصباح الباكر، وحاسبنا الفندق، وطلبنا سيارة فان لنقلنا إلى المطار، وعند الساعة الثانية عشرة ظهراً كنا في مطار روزين براغ Ruzyne Airport.
كان موعد إقلاع الطائرة التركية المتجهة إلى إسطنبول عند الساعة الثانية بعد الظهر، وكان لدينا الوقت الكافي لإنهاء إجراءات السفر المعتادة، ولكننا كنا قد إشترينا الكثير من الأغراض من باريس وبعض الأشياء من بودابست، والكثير من براغ، وكان من المفترض أن يعاد إلينا نحن الأربعة مبلغ لا يستهان به من الضريبة المرتجعة لتلك المشتريات، حيث قالوا لنا في باريس أن ذلك سيكون في آخر محطة لكم في أوروبا، وفي براغ قالوا لنا بأنه سيتم إسترجاع الضريبة من المطار ولا إشكال في ذلك.
إلا أن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، فبعد ختم جميع فواتير الشراء من الجمارك بعد إطلاعهم على مارغبوا في رؤيته من المشتريات، رفضت الموظفة إعطائنا المبالغ بحجة أن بعضها سيعاد على بطاقات الإئتمان (وأنا أشك أن يعود منه شيء)، وبعض الفواتير لا يوجد لها مرجعية لديهم، والبعض الآخر ليس لديهم بل مسؤولية شركة أخرى بعد نقطة الجوازات داخل المطار، علماً بأنهم كانوا يسلمون المسافرين الآخرين مستحقاتهم بلا مماطلة وبسهولة ويسر، وقد كان من الواضح جداً أن الأمر مقصود، وقد مرت نحو ساعة ونصف ونحن ندور بينهم بلا فائدة، ولم نحصل إلا على أقل من 10% مما كنا نعول الحصول عليه، وقد أعطتنا إياه بالعملة التشيكية التي صرفناها بالدولار في المطار فصار الأمر كموت وخراب ديار لا وفقهم الله.
وبما أنه لم يعد هناك على إقلاع الطائرة، فقد إستسلمنا للأمر الواقع حتى لا تفوتنا الرحلة ونقع في مأزق يكلفنا أكثر مما أخذ منا.
ذهبنا إلى بوابة السفر المخصصة للرحلة، وكانت مزدحمة بالمسافرين لآخرها، حيث لم يكن هناك مقعد واحد شاغر على الطائرة، وكل واحد من الركاب معه الكثير من الأمتعة التي يحملها في يده مثلنا تماماً، مما أثار في أنفسنا نوعاً من عدم الإرتياح، وزاد من إزعاجنا، ونحن متضايقين أساساً مما حدث معنا عند محاولة إسترجاع الضرائب.
بحمد الله وفضله أقلعت تلك الطائرة، وقد كنت أشعر بأنها لن تستطيع مفارقة الأرض من ثقل ما بها من أنفس وأمتعة، كما كنت أشعر بأنني لا أرغب بالعودة مطلقاً إلى التشيك، على الرغم من تقدمها وتراثها وكل شيء جميل فيها، ربما لأنني لم أرتح لتعامل أهلها، وربما للإنطباعات السيئة والمواقف السلبية التي واجهتنا في البداية وخلال إقامتنا القصيرة بها، وربما للوجود اليهودي الواضح جداً بها، وربما لأننا لم نوفق بسائق يحترف السياحة، وقد تكون هذه الأسباب مجتمعة هي الباعث لهذا الشعور الذي لا يزال يساورني حتى بعد أكثر من شهر على إنقضاء تلك الرحلة.
أما بقية الأصدقاء فلا أعلم عن إنطباعاتهم عن التشيك بالذات.
*********