يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي
أحبائي الكرام..أعزائي الأجلاء..مرهبا ..كونايدن..ناصلنز؟؟؟
لكم يطيب لي أن استهل هذه المداخلة المتواضعة بتحيتكم أجمل تحية و الثناء على حسناتكم أحلى ثناء..كانت تعقيباتكم الرائعة وقودا لحماسي و عضدا لعزيمتي و محركا لهمتي..
حقا قد أضحى لمجلسنا شأو عظيم في عيوني ورفعة شامخة في فؤادي...
من خلال كلمتي الافتتاحية،أريد أن أثير انتباه أحبائي أنني لا أرمي بهدف هذه الحلقة إثارة أي غبار فكري أو ثقافي نحن في غنى عنه، فإن كان في هذا المقال من حق فهو من فضل الله وإن يكن فيه من باطل فهو مني و من الشيطان ..فأنا لله شاكر و به من نفسي و من الشيطان عائذ...
يشرفنني أن أشير إلى أنني أحببتكم في الله، و حبي لكم لشديد و إن رب العزة و الجلال على ما أقول لشهيد..
لا أسعى من تواجدي بمجلسنا المنيف لأي مطمح دنيوي بل لمطمع دعاء صالح في ظهر الغيب عسى ربي أن يتقبل منا و يهدينا سواء السبيل..فما كان لله دام و اتصل و ما كان لغيره انقطع و انفصل...و أتمنى أن يبقى حبل الود و المحبة في الله موصولا بمشيئة الرحمن..
أعزائي الأفاضل
ظلت ذاكرة ذلك اليوم ما قبل الأخير من أيامي التركية موشومة إلى أبعد الحدود، إذ كانت وجدانيته تتأرجح بين أنين الألم و حنين الشوق و بهجة اللقاء...
الألم من فراق بلاد أحببتها من بعيد فأكرمتني من قريب...
تمنيت الاستمتاع ببهاء جمالها من خارج موقعها فأسرتني بضيافتها و أناقة شعبها من داخل موطنها..
حنين الشوق لمعاودة هذه المتعة و الاستجمام.. فتشت جيوبي باحثا عن صديق رحلتي و أنيس وحدتي ببلاد السلاطين.إنه حبيبي روتار .كان خير دليل و أطيب مرشد و ألذ طبق.. فأحسست بصفحاته تواسيني و تسندني و تشد من أزري و تخفف عني آلام الفرقة ...شكرا لك يا صديقي كنت لي أفضل عون بعد الله سبحانه و تعالى..تحملت الكثير مني ..من اسئلتي ..من مزاجي ..من كثرة ترحالي..شكرا موفورا لك..
بهجة لقاء أرض الوطن حيث رائحة ترابي و نسمة هوائي...فمهما غبت عنها فعندي مرجعها...
إنه صباح يوم 28 بازارتاسي من شهر كاشيم 2009 ...أتواجد بميدان صغير أمام مسلة تشامبرلي طاش لحجز مكان لي بمسرح بالطبق الثالث لمطعم اسمه safran....
ما رأيكم أن أقترح عليكم سهرة كانت ختام مسك وذكرى خالدة طبعت أيامي التركية ...
يشكل هذا البرنامج المقترح محطة هامة للجذب السياحي لا يستهان بها ليس ببلاد العثمانيين فحسب بل حتى في باقي عدة أقطار..
كثيرة هي المسارح و الفضاءات التي تتنافس في جلب و استقطاب روادها من المحبين و المتيمين بهذا الفن أو المريدين لهذه الطقوس أو المتطفلين عليه مثلي...
بعد جولة وداع نهارية جلت بها و صلت من خلالها بقسمي اسطنبول الأوروبية ..كان موعدي مع الحدث على الساعة السابعة و النصف مساء، لا أظن أن أحدا قد يستطيع التخلف عن مثل موعد هذه المناسبة..فبعد تكريمنا ضمن سعر تذكرة السهرة 25 ليرة بفنجان شاي أو مشروب على حسب ذوقك..فسح المجال لولوج المسرح ..كان فضاء جد معبر يحتوي على إضاءة خافتة تضفي على المكان سحر خاص جدا و جمال متميز ينقلك إلى أجواء صفاء روحي فريدة ..إكسسوارات فنية ذات لمسات و دلالات جد معبرة...
فضاء يغمر النفس و يحتوى الآخرين..حيث الطاقة الحيوية للمجال تقتحم و تشرق و تجلي باستمرار مكنونات العوالم..
الفنانون يمثلون دراويش منهم عازفون و منهم راقصون..يحملون طرابيش طويلة و ملابسهم تشع بياضا، الجمهور من سياح بلاد الأتراك فضلا عن بعض العرب، عدد لا يربو على الأربعين متفرجا ..سارعوا لأخذ أماكنهم المحجوزة من الصبح على أطراف أصابع أرجلهم بالمدرج الصغير..تبادلت ابتسامات عريضة مع من كن بجواري طالما الصمت أمر مطلوب و استخدام فلاشات آلات التصوير مسعى مرغوب..
بعد كلمة قصيرة ألقاها على مسامع الجمهور منظم السهرة..ابتدأ الحفل و انهمرت أسئلة تراودني و تؤرقني و تقض علي استمتاعي بأطوار هده الأمسية
يا ترى هل هذا مجرد استعراض فني فلكلوري أم نسف فكري فلسفي متكامل؟؟؟
أعرف جيدا و متأكد أنه منكم أيها الأحبة من استسلم لهستيريا الضحك عندما لاحظ العازفين و كأن سبات عميق و جارف اقتادهم..
حسب أراء منظري هذه الرقصة المشهورة جدا في أصقاع العالم و الله اعلم...
ترمز العباءة السوداء التي يرتدها الدراويش إلى العالم المادي أو القبر، في حين تدل القبعة العالية ذات اللون البني إلى شاهد القبر و الألبسة البيضاء الفضفاضة إلى الروح..يستخدم عادة الناي و الذي يعبر صوته عن أنين الإنسان للحنين إلى
الرجوع إلى أصله السماوي في عالم الأزل..
عندما يأمر رئيس الفرقة بالرقص. ينهض الدراويش ويبدؤون بالدوران بطريقة فنيةخاصة. فينزعون عنهم العباءات السود ،دلالة على خلاصهم من الواقع المادي ، وتظهرألبسة بيضاء، ويستمرون بالدوران على إيقاعات الإنشاد الديني، ويكون ذلك سريعاً،فتنفرد ألبستهم الفضفاضة، وتصبح نتيجة الدوران السريع مرتفعة عن الأرض، وتعني أنأراوحهم ارتفعت عن العالم المادي، وتطلق الأيدي إلى الأعلى دلالة على اندماجهم فيمشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي التي تأخذهم إلى الوجودالإلهي.عندها ينمو المريد في الحب، وتتخلص نفسه من الأنانية لتعانق الكمال والعالمالأزلي، فتتغذى منه، وتسمو، ثم تعود من هذه الرحلة الروحانية إلى العالم المادي بكلطهارة وصفاء ونضج بحيث يستطيع الدرويش أن يحب كل إنسان ويقوم بخدمته....
إنها زهرة يانعة بجنوب غربي منطقة الأناضول في معصم الجمال، تأثرت بقوة بروح و فلسفة أحد كبار الشعراء المتصوفة في الإسلام جلال الدين الرومي حيث جعلت منها مدينة السلام و الطمأنينة و طاقة نور للإنسانية ورمزا لتسامح بين العرب و العجم.و مع حلول شهر ديسمبر تملؤها حفلات السما التي يحييها مئات الدراويش الدوارين...مدينة قونية بلغت ذروة مجدها عندما كانت عاصمة السلاجقة قبل الغزو المغولي، تحمل قوام مزيج من الحضارات و الثقافات العربية و الرومانية و العثمانية، فيها يستمتع المسلمون بنفحات التصوف وتحج قلوب المسيحيين حول كنائسها العتيقة..
للمدينة قواسم مشتركة في هذه الشأن بمدن أخرى كحلب و مدينة فاس التي تحتضن سنويا مهرجان الموسيقى الروحية العريقة الذي ضاع صيته و أصبح قبلة يحتشد إليها أشهر الموسيقيين على نطاق عالمي واسع..مدينة أخذت على عاتقها غرس الرسالة النبيلة المتمثلة في حوار القيم الروحية من خلال الموسيقى، وخلق ثقافة سلمية مدعومة بعولمة متعددة تحترم كل القيم الأخلاقية والروحية...إليكم أيها الأحبة رابط فضاء هذا المهرجان الثلاثي الأبعاد... انتهت تسعون دقيقة مدة العرض ..كان كفيلا بتهدئة مزاجي اليومي و كان سفرا عبر الزمن لمعانقة الماضي السحيق..ممتطيا صهوة الروح و الجوهر العتيق.. كأنني كنت اسمع نداءات جلال الدين الرومي منذ ثمانية قرون..
..تعال...تعال يا هذا...أيا كنت...و كما كنت..
لا تأبه إن سقطت آلاف المرات...
تعال يا هذا..أيا كنت ..ومهما كنت...
فلا موطن لدينا لليأس و لا للقنوط..
تعال...
كما أنت و لا تكن أبدا غيرك...
خرجت وقد تنامى إلى أسماعي صوت رب أسرة عربية يرنو لعيلته...هذا حرام..ربما استنكر بعض فترات الذكر من قبل و بعد الرقصة .أقفلت أبواب عقلي و استحضرت آليات منطقي و أجبته في نفسي..طيب إذا كان كذلك فما أنت كنت فاعل ...
أكيد آخر ليلتي باستانبول ستكون بيضاء..يؤرقني النوم قبل سفري..بالغد كانت رحلتي من منطقة السلطان احمد إلى مطار صبيحة حيث ستنقلني طائرة إلى مدينة الدار البيضاء و منها إلى مدينتي فاس إليكم صورة المحطة إبان وصولي..
سيداتي ساداتي، كاتب هذه المذكرة ليس بمتصوف و لا مريد و لكنه الحمد لله فقير إلى الله عز و علا و مسلم بفضله و كفى بها نعمة..قد كانت محاولة متواضعة لتسليط ضوء خفيف على هدا الفن. إن وجدت في هذا المقال شيئا يستحق القراءة و الاطلاع، فالحمد لله رب العالمين، و إن لم تجد شيئا فاستغفر الله تعالى لي و لا تشغلن وقتك إلا فيما ينفعك و من حقي عليك أن تدلني برأيك على طريق الصواب، فأرجو أن يغفر الزلل و يلتمس العذر..
اللهم إنا نسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى.. وصلى الله و سلم على نبينا محمد
أخوكم مسافر في القلوب....
..