تَهَيــّدْ في قطــر 
بما أن السياحة من الركائز الاقتصادية الهامة للدول التي حباها الله "سبحانه وتعالى" بمقومات جاذبة كالأجواء الجميلة أو الطبيعة الخلابة أو الآثار أو الشواطئ، جعلت من تلك الدول وجهات سياحية دائمة للكثير من شعوب العالم، فأصبحت السياحة لديهم العنصر الرئيس في نمو البُنية التحتية، والمصدر الأول لدخل الكثير من أفراد تلك المجتمعات، وعلى مداخيلها تقام البرامج والخطط التنموية لتلك البلاد.
وهناك دول تفتقر لتلك المقومات السياحية فخلقت لها عوامل جذب أُخرى حيث عملت على صناعة السياحة والتسويق السياحي وتوفير الأرض الخصبة لجذب رؤوس الأموال إليها وتيسير كل ما من شأنه يعيق صناعة السياحة لديهم، بعد أن أدركت تلك الحكومات ما للسياحة من فوائد اقتصادية هامة سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى الأفراد، وأنها أحد الحلول الناجعة لمواجهة الكثير من الأزمات التي تعاني منها الدول كالبطالة على سبيل المثال، وهي أحد الجسور الهامة التي تربط بين المجتمعات ومثيلاتها في الأقطار الأُخرى، وكذلك ما لها من انعكاس هام على ثقافة الفرد في المجتمعات عند احتكاكه بالثقافات المُختلفة.
أما نحن في دول الخليج إن استثنينا حكومة دُبي للأسف يبدو أننا نأتي كثيراً في مؤخرة الركب، فلم ندرك ما لسياحة من انعكاسات هامة ثقافية واقتصادية على مجتمعاتنا إلا خلال العقد الأخير، فخلال السنوات القليلة الماضية بدأت هيئات السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي تخطو باستحياء في مجال صناعة السياحة، والاهتمام بما يوجد لدينا من مقومات سياحية كبعض المناطق الأثرية والشواطئ وخلق عناصر الجذب السياحي على الأقل لمواطني مجلس التعاون.
ولعل الإخوة في دولة الإمارات العربية المتحدة هم السباقون في هذه الخطوات والترويج للسياحة لديهم، حيث استطاعوا جذب الأنظار لهم ليس في دول الخليج فقط بل حتى على مستوى العالم. ثم بدأت دول الخليج الأُخرى في السير على ذات النهج الذي سار عليه الإخوة في دُبي من حيث الاهتمام بصناعة السياحة، ولعل دولة قطر تأتي في المرتبة الأخيرة من حيث الجذب السياحي لأبناء دول الخليج إلى وقت قريب هذا من وجهة نظري.
أما ما شاهدناه مؤخراً في قطر مقارنة بآخر زيارة لنا قبل سبع سنوات تقريباً، من تغير أحدثته حكومة قطر من خلال ما تقوم به من جهد ملموس لجذب رؤوس الأموال واستقطاب الخبرات، وتلك المشاريع الرائعة التي أُنشأت وتلك التي لا تزال في طور الإنشاء، والاهتمام بالبُنية التحتية للبلاد حقيقة يستحق الإشادة، ومع أنها من وجهة نظري لا تزال بحاجة للكثير أيضاً لتنافس دُبي مثلاً، لكن أجزم أن الإخوة في قطر قادرين بعد توفيق الله خلال سنوات قريبة أن يجعلوا من قطر وجهة خليجية جديدة فهنيئاً لنا وللإخوة في قطر هذه الأشواط التي قريباً بإذن الله ستجني ثمارها.
فواصل ..
رائع أن يقترن التطوير السياحي بالمحافظة على الموروث الشعبي المتمثل في سوق واقف الذي لن تكتمل زيارتك لقطر دون المرور عليه، وبإمكانك قضاء نصف يوم بين أزقة ذلك السوق دون ملل حتى وإن لم تتبضع منه، حيث الخيارات الكثيرة الممتعة لتناول وجبتك في تلك المطاعم المنتشرة على طول الشارع الرئيس في السوق، كما تنتشر المقاهي على جوانب السوق، وأعجبني حقيقة المطاعم الشعبية التي تقدم الأطباق الخليجية والعربية كذلك، ولن تمل إن كررت الزيارة يوماً آخر لسوق واقف.
أزعجني .. تلك الفرق الموسيقية التي استقطبها الإخوة في قطر وأقاموا لهم المسرح مقابل الجامع الجميل في سوق واقف لتصدح الآلات الموسيقية بجانب بيت من بيوت الرحمن علهم يتداركوا هذا، كل ما أتمناه أن تصل هذه الرسالة للإخوة وفقهم الله لما يُحب ويرضى.
أعجبني .. اهتمام حكومة قطر بتوفير الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة في الأسواق والحدائق والطرق، حقيقة لفتة تستحق الإشادة، للأسف نفتقدها في الكثير من الدول العربية وحتى تلك التي تُعتبر وجهات سياحية دائمة.
جميلة .. تلك المنشآت الرياضية التي تزينت بها دولة قطر والتي سيلاحظها الزائر، وساهمت بشكل فاعل في التعريف العالمي بقطر، بل نافست دول متقدمة في هذا المجال، فالمجال الرياضي ركزت عليه حكومة قطر ومن خلاله قفزت قطر قفزات ملحوظة وأقصد هنا المنشآت الرياضية، وما تمتلكه قطر من تقنيات عالية في هذا المجال يدركه كل متابع للرياضة، والتي جعلت من قطر تنافس حالياً على استضافة أهم التجمعات الرياضية، أضف إلى ذلك ما يمتلكه الإخوة في قطر من كفاءات قادرة على إدارة واستضافة أكبر التظاهرات الرياضية وقد أثبتت ذلك، خصوصاً أن الإعلام في قطر تبوء مكانة عالمية حالياً وأصبح داعم حقيقي لكافة المشاريع النهضوية في قطر، وهنيئاً للإخوة في قطر هذا الدعم اللامحدود من حكومة قطر على كافة الأصعدة وخصوصاً في هذا المجال.
تهيد .. خلال هذه الزيارة للشقيقة قطر لفت انتباهنا تلك اللافتات الإرشادية للحملة الوطنية للوقاية من حوادث الطرق في دولة قطر والتي عنونة كلاً منها بكلمة "تهيد"، ولمن لا يعرف معنى تلك الكلمة فـ "تهيد" هي مفردة عامية مُتداولة لدى أهالي الخليج والبعض في المنطقة الشرقية من المملكة، وتعني "تمهل"، وفي قطر أينما ذهبت ستجد تلك اللافتات للتنبيه والتحذير والتوعية من أخطار الطرق، ووجوب الالتزام بآداب المرور، وهو الأمر الذي جعلني أستعير هذه المفردة بالإضافة لما شاهدته من تغير في قطر لكي نقول "تهيد" واستمتع فأنت في قطر.
وقفة ..
قال صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم, قالوا بلى. قال : ذكر الله تعالى.
دمتم في رعاية الله ..
تياسير
11/3/2010