رواد الزاد و أبنائه سلام الله عليكم و رحمته تعالى و بركاته..حياكم الله أينما كنت و حللتم و ارتحلتم..
توطئة و خاطرة:
بداية يطيب لي ان استهل موضوعي المتواضع و أتقاسم مع الإدارة العتيدة ما ملأ قلبي إعجابا و تقديرا و إكبارا لحسن ظنها بي و الله اعلم و نفسي بأني أقل شأنا مما تظنه بي و أطمح أن أكون اكبر رفعة مما تعلمه عني..
و أنا في خضم استعدادي لسفرة دورة تكوينية في مجال الاستراتيجيات و السبل لمواجهة التفشي الوبائي في ظل المستجدات الراهنة و ككل رحلة أغتنمها فرصة سانحة لاستضافة نفسي في جلسات متنوعة من المحاسبة إلى المصالحة مرورا بالمصارحة و المكاشفة ووصولا إلى المسامحة و تتويجا بإرضائها بهدية و توقيع بروتوكيل الغد المشرق ..ربما يكون هذا اللقاء العادي فوق العادة هذه المرة..فظل سؤال لنفسيتي يدوي أصداء مدة هذه الفترة التحضيرية ..إذا أنت قادم لتتفقه في كيفية مواجهة الكائنات المهجرية بكل ما أوتيت من وسائل مختبريه و دراسية فكيف لي أن اتقي جروح كائنات بشرية ..جروحا تدمي و لا ينفع معها لا مضادات و لا استراتيجيات...؟؟همست لها بصمت و حميمة..و كان بيننا كتاب للمؤلف دايل كارنيجي.."دع القلق و ابدأ الحياة" فأجبتها:"اتركي الخلق للخالق فهو كفيل بهم إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا..."
فاللهم ساعدني كي أسترجع مزعج أيامي من خلال كتاباتي و امنحني الشجاعة الكافية للذهاب لأعماق نفسي لفتح هذه الجروح التي لا تزال تنزف لأتحمل آلامها مرة و مرات...
لم تكن زيارة مدينة إزميت مسطرة في جدول زيارتي التركية و لا واردة في مخطط رحلتي و لا مدرجة ببرنامج سفرتي، فقد انبثقت فكرة زيارتها حينما طلب مني الباش مهندس احمد..مهندس غابوي بإزميت بأن أقدم لزميل له بعض البينزات بنكهة مغربية-الاكسسوارات لتزيين البدل الرجالية- و التي كانت تدخل من بين هواياته المفضلة..
لم يكن العثور على هدا المبتغى أمرا هينا و سهل المنال بحيث أصبحت شحيحة و تقليدية لا تطلب الا في المناسبات الرسمية..وجدت الحمد لله ضالتي عند شيخ بالمدينة العتيقة فكان يعرف قيمتها الرمزية و المعنوية..
أذكركم من فضلكم أن هده الحلقة تندرج ضمن السلسة الاجتماعية و المعنونة.. من تركيا مواقف إنسانية و اجتماعية مضيئة..فهدا هو الرابط لأخذ فكرة عن الحلقة الأولى...
فهيا بنا لنتعرف قليلا على هذه المدينة من جهة و عن فكر مستضيفي الباش مهندس أحمد بين الفينة والأخرى... تحت عنوان أليك أبث همساتي يا إزميت الجريحة..
وجهتي إذن كانت منطقة yahya kaptan و بالضبط إلى معهد عالي للهندسة الغابوية الذي يضم جامعة كبيرة و دار الضيافة و مساكن للأستاذة المهندسين و الطلبة الباحثين...
ناولني مفتاح غرفتي من حارس المركب و اتفقنا بعد أخذ قسط من الراحة أن نذهب للعشاء سوية بإحدى المطاعم المجاورة للمعهد و يبدو من الوهلة الأولى أن صديقي له مبادئ الضيافة الغربية و هذا الأمر سعدت به حتما حتى لا أحرجه و أكون ربما سببا في اضطراب برامجه و لكي أكون حرا طليقا معتمدا على نفسي...
على مائدة العشاء كانت لموضوع رحلات الأسفار نصيبا كبيرا من حديثنا و هدا أمر جيد أن يفتتح الإنسان التعارف باهتمامات مشتركة و ليست صادمة و متنافرة ...و عند الدعوة لفنجان التركي بدأنا نشرح و نفصل القيم الأخلاقية و كيف تساهم في بناء الشخصية السوية و أساس كل تنمية إيمانية و سندا قانونيا و مرجعية ثقافية لشعب ما واتفقنا على أن المسؤولية الأخلاقية تبقى ذاتية ذات صلة بالخالق و الضمير و المحيط...و التقت الأفكار و التحمت في أن الأخلاق في الوضع الراهن يجب تقنينها فلا غرو أن على سبيل المثال الطيبة المفرطة في حضرة الأشرار و ذوي النفوس المرضية الضعيفة و العياذ بالله تصبح ضرب من الغباوة و السذاجة...
كان الوقت جد متأخر فاستأذنت منه لأخذ قسط من الراحة في غرفتي الخاصة بجناح الضيوف..و قبل أن اخلد للنوم توصلت بمكالمة من أسرتي تطمئن عن أحوالي و كانت أخر مكالمة بالشبكة التركية..و عند الصبح استفقت على أن شبكة توركسيل لم تعد في متناول هاتفي إذانا بوصولي إلى اليوم الخامس عشر من إقامتي بتركيا...يا رب الحمد لله على كل حال ما العمل فوضت أمري لله..
في صباح اليوم الموالي زرت معية صديقي المجمع العلمي للهندسة الغابوية و التقينا بزميله الهاوي لجمع البينزات ووضح لي برسومات إحصائية مقتنياته من هذه الهواية بمختلف أقطار العالم و كنت سعيدا جدا لكي أضع على خريطة هوايته بعضا منها من أصل بلدي وكانت فرحتي لا توصف... و من ثم زرنا بعد ذلك جل مرافق المعهد و أقسامه و ثمة مختبرات الأبحاث رفقة بعض المهندسين الطلبة..أوصلني صديقي الباش مهندس احمد على عجل إلى وسط المدينة الذي يبعد 4 كيلوميترات لاستكشاف معالمها و عاد لمقر عمله...تعالوا معي لزيارة إزميت و لو بشكل جد مقتضب بينما سأحاول بدوري إيجاد حل لمشاكلي التقنية..
إزميت عاصمة كوجاإلي، مدينة ساحلية تقع في الطرف الشرقي من بحر مرمرة و خليج إزميت على امتداد حوضه الكبير ..قد يقدر تعداد سكانها ب699 195 نسمة، تأسست في العصور القديمة حيث كان يطلق عليها اسم نيكوميديا غذ كانت واحدة من العواصم الرومانية تحت قيادة قلديانوس.
للأسف لم تسلط عليها الأضواء إلا في أعقاب الزلزال المدمر الذي ألم بها في يوم 17/08/1999 والذي بلغ درجته 7.4 حيث إلى على سقوط 17118 قتيلا و 30000 جريحا حسب المصادر الرسمية ..فخليج إزميت على وجه الخصوص و منطقة الأناضول الشمالية بصفة عامة من المناطق الأكثر عرضة للزلازل .
تشكل المدينة مركزا صناعيا ضخما يضم نسبة كبيرة من الصناعات الثقيلة في تركيا: التكرير- صناعة السفن-السيارات-الاسمنت ز المواد البيتروكيماوية.و بالرغم من أنها بلدة صناعية بكل امتياز إلا أنها تعرف مشاريع جادة و طموحة تعطي للمدينة صبغة مدينة الفنون و الثقافة و التعليم..و يبقى نصيب الناتج المحلي الإجمالي الفردي هو واحد من أعلى المعدلات التركية..مشهورة بأكل خاص على الصعيد العالمي اسمه بيشمانه...
برج الساعة Kulesi Saat
كما تعودنا بكل المدن التركية التي زرتها لا بد من نصب أتاتورك و شارعه و شارع الجمهورية وكذا برج الساعة
يمثل هدا البرج إحدى رموز المدينة، أسس على الطريقة النيوكلاسيكية من قبل المهندس فيدات بك بأمر من موسى كاظم بيك سنة 1602 و ذلك احتفلا للذكرى الخامسة و العشرين على اعتلاء السلطان عرش الدولة العثمانية.
مسجد Pertev Mehmet Pasa---Yenicuma camii
يطلق عليه حاليا اسمcamii Yenicuma أي مسجد الجمعة الجديدة حيث يحتضن مجمع مكون من نافورات و مدرسة العلوم الشرعية و حمام،يضحى واحد من أهم المعالم الأثرية بإزميت و كانت تستخدم المباني المجاورة منه لخدمة الجيوش العثمانية المارة من البلدة.
هو إحدى التحف المعمارية من القرن السادس عشر من توقيع المعمار الفنان سنان
مسجد Fevziye
تم بناء المسجد من أجل روح السلطان محمد باي بعد وفاته في سنة 1576 و حمل اسمه بعد ذلك.
أعيد بناؤه و ترميمه ثلاث مرات:بعد دمار زلزال 1719 تحت قيادة خليل أغا،و سنة 1757 على إثر حريق مهول شب فيه وفي سنة 1836 رمم من قبل كابتن Derya Ahmet Fevzi Pasa
تم تغيير اسمه إلى مسجد فوزية من قبل السلطان محمود الثاني.
المتحف العائم
هو معرض الفنون الجميلة و متحف الفنون الحربية مقام على سفينة تطفو على مياه بحر مرمرة قريبة جدا من منطقة برج الساعة.
مارينا إزميت
كورنيش رائع جد هادئ و محاد للبحر و على ضفاف حديقة و منتزه جميل، فضاء للترفيه عن النفس و التنزه و ممارسة كافة الهوايات، سوف توصلك إليه من وسط المدينة جسرين من الطراز المعماري الحديث و مجهزة بسلاليم كهربائية.
مدينة إزميت عبارة عن تلال سكنية و بوسط المدينة مركزها الحي يخترقها شوارع متعددة متوازية هنا بشارع الحرية ممشي من أروع ما يكون و في كل نصف كيلو متر تجد علامة للمسافة التي قطعتها مناسب جدا للمشاة.من أول الشارع إلى اتجاه مقصدي أربع كيلومترات.
عدت منهوك القوى بعد يوم إزميتي ممتع حيث كنت سأندم فعلا لو كنت قد ألغيت زيارتها . المدينة الدفينة و التي لا تزال تلمم جراحها و مآسيها نهيك عن نسيانها سواء في المراجع الإرشادية أو بالمنتديات السياحية فلا تجد مكانا لها و لا حديثا عنها إلا بعد دمار و خراب و تزلزل في كل مرة لتلفتنا بوجودها و تحسنا بصمودها و معاودتها للنهوض من جديد من رجتها .زيارة جمعت بين الرحلة العلمية و الرحلة السياحية نعم تلك الفرصة التي منحتها لي أيتها المدينة المحترمة...شكرا جزيلا لك.
كانت استضافتي ببيت صديقي لشرب فنجان القهوة بمثابة مجال لنقاش حامي الوطيس..فأعرف جيدا نوعية فكر هذا الصديق التركي علماني بطبعة و لكن أخلاقه جد إسلامية مشرفة...و كان رأيه بموضوعه أن العرب فعلا ظاهرة نفاقية صوتية نفعية انقيادية...الكل يقول ما لا يفعل..الكل يحرم للأخر و يبيح لنفسه في ستار دامس..و تحت معية الجبار و الذي لا تخفى عن خائنة الأعين و ما تخفي الصدور..و صرح انه لا يوجد شعب يسري فيه النفاق مجرى الدم في العروق مثل المجتمع العربي الذي لا يملك إلا الصياح كالجعجعة التي لا نرى طحينها...لم أكن أتوقع منطقه بالحديث..و لا أتفنن في المرافعة في قضية نتائجها غير محسومة و لا اعرف كيف ابحث عن المبررات فلقد أصبح فعلا الماضي مضارع و الخطى المعاصي و الفجور و الفسوق في تسارع..إلا أن طرحي كان متفائلا و حاولت أن انقد ماء الوجه..فالخير في امة سيدنا الحبيب عليه أفضل الصلاة و ازكي التسليم إلى أن تقوم الساعة طالما إنها أمة القرآن الأمة المحمدية أمة الإسلام ..
هذه الأمة التي فضلها الله عز وجل على سائر الأمم واختصها بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، و إنما نالت من ذلك ما نالته بإتباعها لرسولها محمد صلى الله عليه و سلم
إنها خير الأمم وأكرمها هذه الأمة المحمدية التي نالت شهادة الخيرية ، وحسبنا شهادة الله في تنزيل محكمه الكريم.
(( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ و تومنون بالله ))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:".
((فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد كان قبلي))، وفيه: ((وجعلت أمتي خير الأمم)) [البزار بإسناد جيد].
داهمنا الوقت بالمناقشات و تصحف الانترنيت و محاولات معالجة بعض الملفات على الحاسوب في وقت كانت عقارب الساعة تشير على الحادية عشرة ليلا، استشعرت أن الوقت قد حان لأخذ قسط من الراحة فبرنامج الغد سيكون زاخما بالجديد،استأذنت منه بهدوء. حثني الباش مهندس أحمد على إيصالي إلى مكاني، لم أرض إزعاجه في هدا الوقت المتأخر من الليل ،كان الأمر بالنسبة لي هين إلى أن تاه مني السبيل للوصول إلى حجرتي المتواجدة في قلب غابة ضمن مساكن المهندسين بالمركب الجامعي ، رغم علمي بمقربته مني حيث كانت الكلاب الضالة محاصرة جميع الأماكن ....التكملة للمتسائلين المركزين فقط.
أيتها السيدات و سادة المنتدى..لا زلت أعتبر نفسي ضيفا بينكم..فالفضاء رغم رحابته و احترامه إلا انه بعيد عن مجتمعي و ربما ثقافتي..و عليه أتمنى أن لا أكون ضيفا ثقيلا عليكم و إن صدر مني لا سمح الله خطا عن قصد أو غير قصد فأتمنى أن تغفروه لي و أن تتجاوزوا عن زلاتي فما أنا إلا إنسان مجبول بالنقصان و الخطأ و النسيان و الظروف ربما تجري بما لا تشتهيه الأنفس ..
و أخيرا أسئل الله عز و جل إن كان لساعات جلوسي فوق شاشة حاسوبي خير و بركة و حجة لي لا حجة علي فأدعوك أن تتقبل هدا العمل خالصا لوجهك الكريم و إن كان مضيعة للوقت و الجهد فاسلك برحتمك يا ارحم الراحمين أن تصرفني عنه و تصرفه عني و أن تتجاوز عن سيئاتي و تغفر هفواتي ..اللهم امين...
تحياتي و سؤالي الدعاء الدعاء ثم الدعاء..
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته