حين تأخر الوقت،أردت الاستئذان من صديقي للعودة لحال سبيلي و كنت في قمة الخجل حيث لم يعد في حوزتي ما أهديه له، فتنبهت أن أقدم له محفظتي الجلدية الخاصة من الصنعة التقليدية الفاسية التي لا يعلى عليها...أصر بشدة أن ننتقل لبيته خصوصا و أسرته في انتظارنا و أن أمر العودة للفندق لم يعد سهلا سيما و ن المراكب قد أنهت حركتها للضفة الأوروبية في هذا الوقت المتأخر من الليل...
بكل تأكيد فمشروع نفق بحر مرمرة العملاق و الجبار Marmaray projesi الذي سيربط إن شاء الله الضفة الأسيوية بميناء يني كابي الأوروبي سيساهم لا محالة في تطوير المواصلات البحرية بمدينة تحمل في أحشائها ما يزيد عن 16 مليون نسمة...مشروع طموح يصل إلى 55متر تحت مياه البوسفور بمسافة تقدر ب1400 متر وبغلاف مالي يتجاوز ثلاث ملايير دولار و من المقرر أن يبدأ العمل بهذا النفق وفق الجودل الزمني يوم 29 أكتوبر 2013 بحول الله كما صرح بذلك السيد وزير النقل التركي بينالي يلديم و سيخفف من وطأة مشكل النقل الحضري الخانق بإسطانبول.
وأمام واقع الحال، تنازلت عن رغبة الزميل الشديدة و قبلت دعوته الملحة التي كانت بحق في منتهى الأدب و الروعة و الجمال...بيت جد أنيق و منمق بضواحي حي كاديكوي..يحوي ترتيبات و لمسات بإكسسوارات فنية تنم عن ذوق رفيع..كانت فرصة للتعمق عن قرب على حياة أسرة تركية لها طفلة ذات العاشرة سنة أنبتها الله نباتا حسنا مباركا طيبا..كانت همزة وصل و سفيرة دبلوماسية فاقت كل الحدود و رسولة محبة و تدعيم أواصر الترابط الأخوي و المترجمة الفورية للأسرة الكريمة...
من ساحات الصالون المزينة بزرابي تركية فاخرة..كانت عدة مواضيع على مائدة النقاش..فتعرفت بواسطة موسوعات جغرافية أن اسم FASالذي اعتمد بالمراجع التربويةالتركية للدلالة على الإسم الجغرافي لبلدي..انتقلنا إلى موضوع الساعة آنذاك و دواعيه و آثاره آلا و هو انفوا نزا الخنازير...و ثمة انتقالات بمختلف مناحي الحياة و كنت محطة اهتمام بالغ من جميع أفراد أسرة الزميل المضيف..
الأتراك بصفة عامة متسامحين مع السياح ...بل جد منفتحين على كل الثقافات...لاستفزازهم و إثارة غضبهم هناك حلين..تحدث عن القسطنطينية عوض اسطنبول و حدثهم على أنهم عرب..إذن من فضلك صحح عقارب الساعة مع التحدث إليهم : فاسطنبول لم تعد قسطنطينية منذ فتحها سنة 1453 و الأتراك لم ينزحوا من الجزيرة العربية بل من آسيا الوسطى و تحديدا من جبال ألتي المنطقة التي تتموقع حاليا بها سيبريا..دخلوا للإسلام من خلال ترحلاهم للغرب و احتكاكهم بفرس إيران و الخلافة العباسية ببغداد...مسلمون نعم لكن ليسوا بعرب..
كانت ليلة في ظل تلك الأسرة التركية المضيافة حملت إلينا من كلا الطرفين تبادل ثقافي و حضاري ممتع و بهيج...انبهرت من تواضعهم و كأنني واحد منهم..لم تأب الابنة البارة إلا أن تتنازل لي عن حجرتها الخاصة للمبيت بها..كانت بالفعل تجربة اجتماعية رائعة رسخت في ذهني للأبد بكل المقاييس..بالصباح و على مائدة الإفطار فرصة لاستدراك التبادل الثقافي بالمطبخ بواسطة صور موسوعات الطبخ و بعض مقتنيات المطبخ...و كان لفضول ربة البيت حول أسعار الذهب ببلدي إشارة لاهتمامات المشتركة بين نساء العالم العربي و الإسلامي باقتناء بالذهب و مشتقاته..
حان الوقت لمرافقة الدكتور المختص في طب الأسنان...سأضحي بمزيد من الوقت الذي أصبح جد ثمين للانتقال إلى بلدية دارجة حيث تتواجد عيادته..في الطريق أيضا إلى مقصدنا..لغة الإشارات كانت حاضرة بكل قوة و بعض الكلمات جعلت حديثنا شيق للغاية عن مجال السيارات التي يعشقها رفيقي و مصانع تكرير النفط التي كانت شاهدة حي من خلال مسيرتنا و طريقنا السيار رقم E80...
داريجة مقاطعة صغيرة تتموضع غرب إقليم كوجايلي لا تبعد عن مطار صبيحة إلا بعشر كيلومترات وللأسف لم يسعفني الوقت للإطلاع على معالمها و لعل حديقة بوغاز إيجي Bahçesi Hayavanat ogaziçiB الحائزة على عضوية من الإتحاد العام لحدائق الحيوان بأورويا EAZA من أهم معالم الترفيه البارزة بالبلدية..
سيداتي سادتي الأعزاء...
لا أهدف من الفقرة المقبلة أن أزرع القلق و المخاوف ..إنما هي بنية توعية صحية و طبية ربما قد سيقت في الكثير من المناسبات حتى يتمكن المسافر من الاستمتاع برحلة هنية دون أن يكدر صفوها أي عائق و لا يتعرض لمثبطات صحية في غنى عنها...
تجدر الإشارة إلى أن اختلاف المخاطر الصحية بالسفر عافانا الله من آفاتها تختلف باختلاف وجهة المسافر و شخصيته و حالته الصحية و بلده الأصلي و كذا أسلوبه في السفر و النشاط التي يعزم القيام به أثناء الرحلة...لكن غاليا ما تروم حول ضرورة التطعيم ضد أمراض مختلفة باختلاف أيضا الزمان و المكان للسفر..كما تحتاج المرأة الحامل و المرضى المزمنين توصيات من الطبيب الخاص و محاذير مختلفة عند اصطحاب الأطفال...
تختلف الإرشادات الطبية للسفر حسب اختلاف المرض و منشئه و طرق انتقاله..سواء كانت عبر الطعام و الشراب أو الحشرات و الحيوانات أعزكم الله أو من خلال الرذاذ و الهواء أو عن طريق تراب الأرض عبر الجروح و الالتهابات الجلدية أو في إطار العلاقات الغير مشروعة و العياذ بالله..
يمكن إجمال التعليمات العامة الصحية للمسافر بشكل جد مقتضب في استشارة الطبيب لأخذ الاحتياطات اللازمة قبل انطلاق الرحلة..تجهيز محفظة أدوية الطوارئ:ارتفاع الحرارة -الإسهال.. العلاج الوقائي لمرض الملاريا إذا كانت وجهة السفر موبوءة...أخذ الاحتياطات الضرورية ضد الحشرات...الوقاية المعمولة بها من أجل تغذية صحية سليمة وتوفير الماء النقي...ارتداء الحذاء المناسب للأقدام...تجنب السباحة في المناطق المشبوهة..عدم الالتصاق و الاختلاط بالغرباء..الحماية من حوادث السير و تجنب الكلاب الضالة و في حالة القنص التطعيم ضد مرض الكلب...
أما فيما يتعلق بالتوصيات المتعلقة بالسفر إلى الرحاب التركية فعلاوة على الإجراءات وفق الضوابط و المعايير المعمول بها في هذا الصدد و التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالوقاية الصحية كالتحصين من الأمراض المعهودة عافانا الله من شرورها...الكزاز..الخناق و شلل الاطفال...فإنالمركز الدولي للتلقيح و طب السفر يحث على التطعيم ضد مرض التهاب الكبدي سواء كانت الإقامة طويلة أو متكررة،ضد مرض الحمى الصفراء و التهاب السحايا،حمى التيفويد أما خطر الملاريا فيقارب الصفر في تركيا و لا يوصي بالعلاج الوقائي منه...و يشد المختصون على التعليمات المعروفة ضد مرض Tourista أي المعروف بإسهال المسافرين و التي تكمن في تناول الماء المعبأة في قارورات مختومة بصلاحية الاستهلاك أو تعقيمها أو غليها إذا ما تعذر وجودها،تجنب مكعبات الثلج بالمشروبات..عدم تناول الحليب إلا المبستر أو المغلي و خصوصا بالمناطق القروية..ابتعد ما أمكن عن السلطات المعروضة أو الأطعمة المطبوخة الباردة ..ضرورة تقشير الفواكه و الخضر و الابتعاد ما أمكن عن فواكه البحر خاصة و التي تباع على ضفاف البوسفور ...
ودعت الزميل على موعد اللقاء بأسرته الطيبة الفاضلة ببلدي الحبيب بعد جلسة قصيرة بعيادته..فنعم الأخ و الصديق ..المثل التركي الاجتماعي الحي المشرف...فمازال أمامي الكثير لقضاء حاجياتي المرتقبة و الملحة قبل موعد كوربان بيرام و اتركه لمباشرة شغله في أمل اللقاء به و بكم مجددا...
لقاؤنا المقبل مع استضافة و مبيت بجزيرة بوغاز أدا...مع مثال و موقف اجتماعي آخر مهووس بثقافة أتا تورك..يعتبره والده الروحي...إلى ذلك الحين أتمنى لكم دوام الصحة و العافية سواء بأرجاء أوطانكم أو بأسفاركم و ترحالكم...
جزاكم الله خير الجزاء على التصفح و المتابعة
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه..و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.