السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" الحلقة الثالثة "
زغاريد رؤية الهلال ,و خاتم (داود باشا) ,و عادات زواج خاصة
يظل لشهر رمضان مكانته الخاصة لدى الأتراك، فقد توارثوا الاستعداد له والاحتفال بحلوله
وخاصة ليلة الرؤية وأول سحور وأول يوم حينما تجتمع الأسرة على مائدة إفطار واحدة
في جو أسري جميل يضم كل أفرادها خاصة الجدات والأجداد الذين يمثلون النفحة الجميلة الباقية
للحفاظ على تقاليد وعادات رمضان التي تميزه عن باقي شهور السنة،
ويتميز هذا الشهر الكريم في هذا البلد بعادات خاصة سواء في تخصيص وجبة ثالثة بين الإفطار و السحور،
أوفي الأكلات التي يشتهر بها مثل كفتة داود باشا التي نقلوها لباقي الدول العربية
التي دخلوها أيام السلطنة العثمانية أو خطاب الولاء من الزوج لزوجته أو حتى زغاريد رؤية الهلال .
وتشارك تركيا الدول العربية والإسلامية الأخرى في معظم مظاهر الاحتفال برمضان
سواء بهجة وفرحة الأسرة وخاصة الأطفال أو في الأكلات أو في الذهاب للمساجد وحبس المفطرين
في نهار هذا الشهر أو حتى في برامج التليفزيون أو الزيارات العائلية ودعوات الإفطار المتبادلة
التي تزيد روابط المودة والحب بين العائلات والأسر التركية التي يبدأ استعدادها الخاص لاستقباله
منذ النصف الثاني من شهر شعبان حينما تبدأ وسائل الإعلام والجمعيات والمراكز الإسلامية
في إذاعة آيات القرآن الكريم سواء قبل أو خلال شهر الصوم وبحضور الآلاف من المسلمين الصائمين،
وتبدأ الأسر المسلمة في شراء احتياجاتها من السلع والمأكولات والحلوى الرمضانية المفضلة
تماما كما تفعل باقي الأسر في معظم البلاد الإسلامية.
زغاريد الرؤية
ويمثل الاحتفال باستطلاع رؤية هلال رمضان فرحة خاصة فبعد إعلان ثبوت الرؤية
تنطلق الزغاريد من البيوت خاصة العريقة منها أو التي مازالت تضم الأجيال الكبيرة كالجد و الجدة
ليعبروا عن هذه الفرحة التي زف بشائرها إليهم إعلان المفتي بميلاد الهلال وبدء الصوم
في اليوم التالي , كما يدعو المسلمين لاغتنام هذه الفرصة في العبادة و التضرع والدعاء إلى الله سبحانه وتعالى
ثم تعم الفرحة كل تركيا بعد إذاعة هذا النبأ في كل وسائل الإعلام التركية لأنهم ينتظرونه من العام إلى العام
في لهفة وحب وحتى البيوت تجدها سعيدة بقدومه فتفوح منها روائح المسك والعنبر وماء الورد
فقد جرت العادة على نثر هذه العطور الطبيعية على عتبات الأبواب والحدائق المحيطة بالمنازل ،
وتزدهر حركة التجارة بشدة لأن تركيا تعتبر أكبر منتج ومصدر في العالم لياميش رمضان
سواء جوز الهند أو المشمشية أو التين أو الزبيب أو غيرها من المكسرات التي تصدرها
لأكثر من 43 دولة إسلامية نظرا لجودتها العالية ومذاقها المتميز، كما يعقد التجار العديد من الصفقات
في البيوت العريقة بعد صلاة التراويح وفي المقاهي الشهيرة وأحيانا في المساجد !
مظاهر تركية خاصة
عند قدوم شهر رمضان تنتشر اللافتات التي تحوي عبارات الترحيب والسرور في الشوارع و الأسواق
وتزين باللافتات التي تحتوي آيات و أحاديث وأقوالا تتعلق بالمناسبة المنتظرة وفي ليلة الثلاثين من شعبان
يتطوع بعض الرجال من المشايخ لرؤية هلال رمضان وعند إثباته يقوم احد سكان الحي بتسحير السكان
أو أحد المؤذنين يقوم بهذه المهمة وتعتمد الحكومة على المدافع حيث تطلق ثلاث مرات :
مرة للسحور و الأخرى للامساك والثالثة للإفطار .
وعقب الاحتفال برؤية الهلال تبدأ الجدات في تجهيز أول سحور رمضاني ويتكون غالبا من الفواكه الطازجة
والملبن التركي الشهير المحشو بالمكسرات والقشدة، واللحم المقدد الذي يتم تجهيزه سابقا
استعدادا لهذه المناسبة الكريمة، ثم يدعو الجد «أكبر أفراد الأسرة» أولاده وأحفاده لتناول السحور
ويتفق معهم خلاله على حضورهم في اليوم التالي أو أول أيام رمضان للإفطار معه
فتجمعهم المائدة الرمضانية التركية العامرة بأشهى المأكولات سواء التقليدية الشعبية أو الحديثة
خاصة كفتة داود باشا أشهر طبق تركي قديم أدخله العثمانيون للدول التي حكموها سواء عربية أو إسلامية
أيام الإمبراطورية العثمانية، وتحمل هذه المائدة العديد من المفاجآت والطرائف
وأهمها أن إحدى كرات هذه الكفتة تخبأ بها خاتم فضي يصبح من نصيب من يأكلها ويكتشفه تحت أسنانه .
وبعد تناول السحور ودخول وقت الإمساك يتوجهون إلى المساجد للصلاة والدعاء بعدها
وتلاوة شيء من القرآن قبل الاستماع إلى شيخ المسجد ملقيا عليهم الدروس في أحكام الصيام
وآدابه حتى تطلع الشمس فيصلون ركعتي الضحى ويعودون إلى بيوتهم .
ومن أهم مظاهر الاحتفالات التركية الخاصة بحلول هذا الشهر أيضا الحرص على تناول وجبة ثالثة
بين طعامي الإفطار و السحور وموعدها ما بين الساعة العاشرة والحادية عشرة مساء
وتتكون من الأطعمة نفسها التي تفضلها الأسرة التركية على طعام الإفطار
كالخضراوات الطازجة واللحوم وبعض الحلوى المشهورة في تركيا .
ومن تقاليد الأزواج والزوجات خلال رمضان أن يقوم الزوج بإهداء زوجته خطابا يجدد لها فيه ولاءه
وحبه الشديد وتأكيده على أنه سيظل طوال عمره أمينا عليها وعلى بيته وأولاده ،
ويقدم لها اعتذاره عن أية مبادرات سيئة صدرت منه تجاهها ثم تقوم الزوجة بإهدائه سوارا فضيا
تعبيرا منها عن محبتها له وتجديدا للعهد بينهما،أما الأطفال فيقضون الأمسيات الرمضانية حول الجدات
اللاتي يحكين لهم القصص والحكايات الشعبية الطريفة المليئة بالعديد من النوادر سواء الشخصية أو العامة
التي يشتهر بها الأتراك وتراثهم القديم وتصبح طلبات الصغار أوامر ويكونون على موعد مع المكافآت .
ومن أشهر الأنشطة الرمضانية والتي يتميز بها التراث الثقافي التركي خيال الظل والكراكوز وتقدم عروضهما
في مختلف المناسبات لجمهورها الأغلب من الأطفال ولكن هذا لا ينفي استمتاع الكبار بمشاهدتها أيضاً .
ومن المظاهر المحببة والمفضلة لدى الأتراك الزيارات المتكررة والمتبادلة التي تقوم بها العائلات
لزيارة بعضها البعض خاصة على موائد الإفطار، وفي المساء أيضا يخصص التليفزيون حوالي ثلاث ساعات
يوميا لإذاعة البرامج الإسلامية كالأفلام التسجيلية والمحاضرات الدينية والمناقشات للقضايا الإسلامية المعاصرة،
كما يعتبر شهر رمضان فرصة عظيمة ومواتية للاتفاق على إتمام الزواج بين العائلات المختلفة
التي يصبح عيد الفطر المبارك مناسبة بهيجة لإتمام هذه الفرحة فبعد أن تقوم والدة الخاطب بتقديم
شال حريري مطعم بالخيوط الذهبية والفضية للعروس كعربون محبة دائم لعروس ابنها
يقدم الخاطب الذي يصحب أسرته سوارا ذهبيا ثمينا لخطيبته تعبيرا عن حبه وإخلاصه لها .
تركيا وسهرات الموالد
ومما يميز أهل تركيا أيضا كثرة الموالد في هذا الشهر ففي كل بيت ومسجد مولد و قد تقام في الحي الواحد
عشرات الموالد التي يمدح فيها النبي عليه السلام ويذكر ما جاء في مولده من الآيات و ما ورد في وصفه خَلقا وخُلقا .
مسجد السلطان أحمد
وتمتلئ المساجد عن آخرها منذ الأيام الأولي لحلول هذا الشهر بالمصلين والصائمين
ويعتبر مسجد السلطان أحمد أبرز و أكبر مساجد تركيا فمساحته شاسعة لذلك يطلق عليه «المسجد الكبير»
لأن المصلين يدخلونه من خمسة أبواب فهو يشغل أربعة شوارع رئيسة بمدينة اسطنبول
ويتميز بالتحف المعمارية و الفنية و بالزخارف والآيات القرآنية المنقوشة على جدرانه
بالإضافة إلى حوالي 150نجفة معلقة بجميع جنباته وسقفه .
وحول مسجد "السلطان أحمد" الكبيريتجمع مئات من بائعي الشوارع وينادون على السلع التي يبيعونها
معددين مزاياها فمنهممن يبيع غزل البنات والذرة المحلاة وأبو فروه والفطائر وشاي زهرة الزيزفون والسجق المتبل .
وفي ساحة المسجد سترى مزيجاً فريداً من روائح الطعام الزكية برائحة التبغ ونغمات الأغاني والأناشيد الدينية .
وتقوم الكثير من المساجد الكبرى بمدينتي أنقرة العاصمة واسطنبول العاصمة القديمة للعثمانيين
باستقبال الصائمين على طعام الإفطار تماما كما يحدث بالكثير من الدول الإسلامية والعربية .
ليلة القدر في مسجد أيوب
في العشر الأواخر من رمضان يسود الزحام في كل مكان وتمتلئ ساحاتالمساجد عن آخرها،
وفي ليلة السابع والعشرون من رمضان الذي يتوقع أن تكون ليلةالقدر يجتمع المصلون وراء الأئمة لصلاة القيام..
ولعل أشهر المساجد التي يصلى بهاصلاة القيام هو مسجد "أيوب" وتستمر فيه الصلاة حتى الثانية صباحاً
ولكنك لا تتمكنمن اختراق صفوف المصلين نظراً للزحام الشديد ،
حيث يحتفل الأتراك في هذا المكان دون سواه مرات ومرات، يحتفلون بتلاوتهم القرآن.
عيد السُكّر (عيدالفطر)
يحرص الأتراك على التبكير في أداء صلاة العيد في مساجد المدينة، ثم يزورون أقاربهم لتهنئتهم بالعيد السعيد،
وتقدم للأطفال عيدية- شَكَر بايرم- عيد السُكر، لأن السُكر يوزع أيام العيد بصورة كبيرة.
ويتنقل الأتراك لزيارة الأماكن التاريخية والسياحية في البلاد لقضاء أوقات جميلة أيام العيد كله .
وكغيره من المناسبات الدينية يهتم الجميع بزيارة أفراد العائلة والجيران والأصدقاء، وأيضاً يحرص الجميع
على إنهاء كل الخلافات والنزاعات والتصالح مع كل من كان بينهم خصومة قبل هذا العيد .
في أول وثاني أيام العيد يحرص صغار السن على زيارة كبار السن من أقاربهم وجيرانهم، لذلك يمكث كبار السن
في بيوتهم في انتظار الزائرين، ويقدمون لهم الحلوى والمشروبات.. وكما هو الحال في الأعياد ، يحرص الجميع
على ارتداء ملابس جديدة في هذه الزيارات، يتجمع الأطفال لزيارة أكبر جيرانهم سناً فيدقون جرس الباب
ويقبلون يد صاحب المنزل لإظهار الاحترام وفي المقابل ينتظرون منه "العيدية" والحلوى التي سيغدقها عليهم.
كانت تلك هي الطريقة التقليدية المتعارف عليها في جميع بلدان العالم الإسلامي للاحتفال بالعيد،
ولكن هناك طرق أخرى للاحتفال مثل السفر لقضاء إجازة على ساحل البحر المتوسط أو السفر في جولة
داخل المدن التركية لزيارة الأقارب الذين يقطنون بها، ويرجع السبب في هذا إلى أن الجميع يرحلون من مواطنهم
سعياً وراء الكسب المادي ويتركون أقاربهم وذويهم ، وتعد إجازة العيد فرصة لمثل تلك الزيارات .
بينما يسافر آخرون للاستجمام في الأماكن السياحية مما يتسبب في ازدحام الطرق وتعطل حركة المرور
وارتفاع نسبة الحوادث في العيد، لذا ينصح إن كنت في تركيا وقت العيد ألا تخرج من مدينتك إلا بعد انتهاء العيد .
كلمة أخيرة: إذا أردت أن تهنئ أحدهم بمناسبة العيد فعليك أن تقول :
"إيي بايراملار"أي: (كل سنة وأنت طيب) بالتركية .
غداً بإذنه تعالى
حلقة جديدة