الإمام جعفر والسياسة<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
كأبيه وجده، أنصرف الإمام جعفر بكليته إلى طلب العلم وأنصرف تماماً عن السياسة، حتى عندما خرج عمه الإمام زيد في ثورته لم يخرج معه وأن شجع الناس على نصرته.<o:p></o:p>
وبعد أن أهتزت أركان البيت الأموي وزادت الفتن والمؤامرات بين أفراده، وشعر الهاشميون بدنو أجل الخلافة الأموية مع بدء تردد شعار "الرضا من آل محمد" في خراسان، أجتمع الهاشميون في الأبواء في أحد موسم الحج، وكان منهم أفراداً من البيت العباسي، وآخرون من البيت الحسني... وخطب فيهم عبدالله المحض ودعا الحاضرين إلى تقديم من يرونه أهلاً للخلافة مع تقديمه لولده محمد النفس الزكية لما ظهر به من علامات المهدي، فأعترض بعض الحاضرون لغياب كبير البيت الحسيني الإمام جعفر، ولعدم ثقتهم بأن محمد بن عبدالله هو الشخص المناسب.<o:p></o:p>
كثرت الروايات في المصادر التاريخية عن أجتماع الهاشميين في الأبواء، ومن الرواة من جزم بحدوث هذا الأجتماع ومنهم من أنكره ومنهم من شكك في الأسماء التي حضرت هذا الأجتماع... وبما أن المنتصر هو من يكتب التاريخ دوماً، فمن من الأولى تحكيم العقل والإقرار بوجود شواهد لحدوث أجتماع من هذا النوع، ولا يتسع هنا المجال لأخذ كافة الروايات وفحصها، فبشكل موجز أنكر مؤيدي الخلافة العباسية حدوث مثل هذا الأجتماع، أو على الأقل أنكروا مبايعة من حضر من بني العباس لمحمد النفس الزكية، وساقوا بعض الحجج التي لا تنفي حدوث هذا الأجتماع نفياً قاطعاً ولا تنفي مبايعة أبو جعفر المنصور بشكل قاطع، أما شيعة البيت الحسيني فأنكر معظمهم حدوث هذا الأجتماع لعدة أسباب من أهمها أن الإقرار به فيه هدم لركن مهم في العقيدة الأثنا عشرية، وهو الإمامة بالوصاية في الحسينين دون غيرهم من الفاطميين، وهي وصية متوارثة فيهم وترشيح عبدالله المحض لولده محمد فيه أنكار من كبير العلويين في زمانه عبدالله المحض لهذه الوصية... أما روايات آل البيت الحسنيين فتؤكد حدوث هذا الأجتماع ويؤيدهم في ذلك الزيديون.
<o:p></o:p>
ومع الأخذ بعين الأعتبار أن الدعوة العباسية كانت قائمة بالفعل بشكل سري قبل ذلك الأجتماع بعقدين من الزمان على الأقل، وتحت شعار "الرضا من آل محمد" فإن أنظار الأمويين كانت تتجه دائماً إلى العترة النبوية من أبناء علي وفاطمة رضي الله عنهما، وهو ما شكل غطاءاً مناسباً للعباسيين يتيح لهم التحرك دون رقابة، ومبايعة النفس الزكية جزء من ذلك الغطاء.
<o:p></o:p>
وما أحب أن أشير له في هذه القصة وهو رأي بنيته بعد قراءة مصادر معتدلة وحيادية لعلماء من أهل السنة، نقطتان مهمتان:
<o:p></o:p>
الأولى: أن أبا جعفر المنصور بايع محمداً وقد نقلت بعض المصادر التاريخية مقولته التالية" لأي شيء تخدعون أنفسكم، ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع أستجابة منهم إلى هذا الفتى"... والدليل على هذه المبايعة هو مراسلاته مع محمد النفس الزكية بعد أن تولى أبا جعفر الخلافة وذاق حلاوة السلطان، ومحاولاته أنتزاع أعتراف من النفس الزكية بأحقية بني العباس بالخلافة بحجة أن العم أحق بأن يرث من البنت وأبن العم، في أشارة إلى فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولم يكتف ذلك بل جعل الحكم العباسي حكم شرعي لا يخالفه مسلم... هذه المراسلات وأن لم تتضمن ذكر أمر المبايعة فإنها لا تخفي أن أبا جعفر وجهها للنفس الزكية دون سواه من شيوخ البيت العلوي وكبرائهم، وهي تعكس رغبته في نزع أعتراف شرعي بالحكم العباسي من النفس الزكية دون سواه... وسبب خوف أبو جعفر المنصور وخشيته من محمد النفس الزكية أن محمداً كما ذكرت سابقاً يلقب بالشبه لشدة شبهه بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من العباد الزهاد والمعتزلين، عالم بالفقة والحديث له عدة روايات في كتب الصحاح، وذا قوةٍ وبأس شديدين، والأهم من ذلك أن له شامةً بين كتفيه بحجم بيضة الحمامة تشبه الشامة بين كتفي أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... كل هذه الصفات جعلته محط أنظار أهل الحجاز وموضع محبتهم وتقديرهم، وتأويلهم بأنه المهدي المنتظر الذي يملئ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فالصفات التي وردت في الأحاديث النبوية تنطبق على محمد النفس الزكية، ولكن بني العباس بما ورثوه من علم عن جدهم ابن عباس رضي الله عنه، تأولوا أحاديث المهدي بطريقة مختلفة جعلتهم يعتنقون فكرة أن المهدي المنتظر هو من بني العباس، كما أن ثورة النفس الزكية كما تصفها المصادر التاريخية لم تكن خاصةً بالبيت الحسني فقط، ففي مقولة لأبي جعفر المنصور لأحد قادته، تناقلتها كتب التاريخ قال: "خرج عليَّ رجلٌ من ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذو علمٍ وزهدٍ وورع، وقد اتَّبعهوُلْدُ عليّ وولد جعفر وعقيل، وولد عمر بن الخطَّاب، ووُلد الزبَيْر بن العوَّام،وسائر قريش، وأولاد الأنصار"... يتضح لنا أنها لم تكن ثورة فرد أو عشيرة، إنما هي ثورة لكبرى البيوت في المدينة ومكة، بل أن بعض المعتزلة في العراق وأتباع الإمام زيد خرجوا لنصرة هذه الثورة قبل أن تقضي عليهم الجيوش العباسية الخراسانية.
<o:p></o:p>
لم تقتصر ثورة النفس الزكية على هؤلاء وحسب، بل أن الإمامين مالك وأبو حنيفة أفتيا بجوازها و بايعاه على السمع والطاعة وكان أبو حنيفة يناظر قادة الجيش العباسي محاولاً أقناعهم بالعدول عن محاربة محمد النفس الزكية، والإمام مالك أصدر فتوى تجيز للناس خلع بني العباس من الخلافة لأنهم بايعوا مكرهين، وهو ما أدى إلى سجن الإمام أبو حنيفة وضرب الإمام مالك بالسياط حتى خلعت كتفه... وهو ما أعتبر فيما بعد أكبر أخطائهما من قبل بعض العلماء.
<o:p></o:p>
الثانية: ما كان من الإمام جعفر تجاه هذا الأجتماع، فمعظم الروايات تذكر أنه لم يحضر الأجتماع وأن عبدالله المحض أرسل إليه من يطلب منه الحضور، فلما وصل أبلغه بمعزل عن الحاضرين بما أتفق عليه الحاضرون في الأجتماع، فرد عليه الصادق: " إنك شيخ، وإن شئت بايعتك، وأما أبنك فوالله ما أبايعه وأدعك"... مما أغضب عبدالله المحض غضباً شديداً، فقال له الصادق: " إن هذا الأمر والله ليس إليك ولا إلى أبنيك، وإنما هو لهذا (وأشار بيده للسفاح) ثم لهذا (وأشار إلى المنصور)، ثم لولده من بعده ولا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان ويشاوروا النساء" فرد عليه المحض بقوله: " والله يا جعفر ما أطلعك الله على غيبه وما قلت هذا إلا حسداً لأبني"... فقال الصادق: " لا والله ما حسدت أبنك، وأن هذا (وهو يشير إلى أبي جعفر) يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بعده".
<o:p></o:p>
أختلفت الروايات في الأتفاق على تفاصيل أقوال الإمام الصادق، وفيها ما يقل عن ما نقلت لكم وفيها ما يزيد عن ذلك، وبغض النظر عن الأشخاص وترتيب خلفاء البيت العباسي وذكر القتل، إلا أن هناك ملاحظات مهمة يمكن أستنتاجها من تلك المحاورة:
<o:p></o:p>
· أن الإمام الصادق رفض مبايعة النفس الزكية، لأنه رأى أن في القوم من هو أكفأ منه وهو أبيه عبدالله المحض، وهو ما يؤكد بطلان فكرة الإمامة المنصوص عليها.
· أنه لم يدعو لنفسه بالرغم من أنه قد يجد القبول عند الهاشميين وغيرهم.
· قد يظن القارئ أن في كلام الإمام الصادق أخبار بالغيب، وهو ما نفاه عبدالله المحض بقوله لجعفر بأن الله لم يطلعه على الغيب، وفي هذا أنكار من أحد شيوخ آل البيت بما يدعيه أشياعهم عن علمهم لأمور الغيب.
ولا خلاف أن الله سبحانه تعالى يخص بعض عباده ممن صفت نفوسهم ونقت سريرتهم بأمور قد لا يدركها العقل البشري، وهي أقرب للفراسة الصادقة أو ما وصفه بعض العلماء بالكرامة أو الإلهام... ونحن هنا لا نؤكد هذه الأمور ولا ننفيها، وهناك شواهد كثيرة من تاريخ السلف تؤكد حدوث مثل هذا النوع من الحدس أو الإلهام، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قصة الفاروق رضي الله عنه، عندما أجرى الله سبحانه وتعالى على لسانه "يا سارية الجبل" وكان سارية بن زنيم في معركة ضد الفرس وعلى وشك الهلاك فسمع هاتفاً يقول "يا سارية الجبل" فأعتصم بالجبل ونصره الله عز وجل على الفرس... وبالرغم من وجود من ينكر هذه القصة من الرواة إلا أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أيدها في مجموعة فتاواه ووصفها بأنها من كرامات الله لأوليائه الصالحين، وكذلك رؤية مسلمة بن عبدالملك بن مروان لسقوط دولتهم في المشرق وقيامها في المغرب، وما ظهرت من كرامات لعقبة بن نافع عند فتح شمال أفريقيا، وغيرها الكثير.<o:p></o:p>
ويروى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لو كان في هذه الأمة محدثون لكان عمر"، في أشارة لما كان يتمتع به من فراسة وحدس.
<o:p></o:p>
فليس بغريب أن يكون شخص بمكانه الإمام جعفر ونسبه وصدقه وعبادته، وأتفاق فرق وطوائف الأمة على فضله من أولياء الله، ولم يقل ما قال متباهياً أو مفاخراً وإنما قاله نصحاً وأرشاداً لأبناء عمومته، فقد كان على أتصال وثيق بالناس ولابد أنه لاحظ تحركات العباسيين وأستشعر ما يسعون إليه.
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
لقب الصادق
<o:p></o:p>
وقد وقع ما قاله الإمام جعفر فتولى السفاح الخلافة وخلفه أخوه أبو جعفر، فعلم عبدالله المحض أن جعفراً لم ينطق إلا بالحق فأسماه الصادق، فأصبح لقبه مذ ذاك الحين جعفر الصادق.... وهذه القصة أقرب للتصديق بأنها السبب في تلقيب الإمام جعفر بالصادق، فالقصة الثانية محض أفتراء وبعيدة كل البعد عن التصديق.
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
موقف الإمام جعفر من بعض القضايا التي أثيرت في عصره:
<o:p></o:p>
هذه المواقف مما أتفق عليه علماء السنة وتناقلته العديد من المصادر الموثوقة، أما ما يطرح الآن عن آراء الإمام جعفر الصادق فمعاذ الله أن تنسب له.
<o:p></o:p>
· خلق القرآن، أتفق رأيه مع رأي أئمة عصره في أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى وهو ليس بمخلوق، وهو رأي أئمة العترة وجمهور فقهاء الأمة.<o:p></o:p>
· خلافة الشيخين رضي الله عنهما، أتفق رأيه مع رأي أئمة عصره ومن تبعهم بإقرار الخلافة للخلفاء الراشدين بنفس الترتيب، وهو في ذلك لم ينكر مكانة الإمام علي رضي الله عنه، ولكنه يقر بفضل من سبقوه وسابقتهم في الإسلام.<o:p></o:p>
· نفى العصمة، وعلم الغيب والإلهام الإلهي عن آل البيت وفي ذلك قال حماد بن زيد عن أيوب سمعت جعفراً بن محمد يقول: "إنا والله لا نعلم كل ما يسألوننا عنه ولغيرنا أعلم منا"... والمتتبع لأقوال آل البيت الحسينين رضوان الله عليهم، يجد مقولات مشابهة... ويقول الإمام جفعر أيضاً: " كيف أعتذر وقد احتججت وكيف أحتج وقد علمت".
· بالرغم من جدارته وأهليته لتولي الخلافة كما شهد له أهل عصره ومن تبعهم، إلا أنه لم يسعى إلى الخلافة ولم يدعو لنفسه وهناك الكثير من الشواهد التي تدل على ذلك في سيرته.
· قصة أجتماع الأبواء وما تناقله الرواة عنه (أن صحت... وعلى الأقل هناك شواهد لها) والأحداث التي حدثت بعدها تؤكد حقيقة أن الإمامة ليست كما يدعي الأثناعشرية نقلاً عن الإمام جعفر، بأنها بالوصاية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في أولاد الحسين بن علي رضي الله عنهما، بل أن الإمام جعفر وافق رأي الأئمة الأربعة في أن الإمامة في قريش، وقد يكون خص من قريش البيت العلوي الفاطمي كرأي عمه الإمام زيد، ولكنه لم يحصرها في البيت الحسيني ولم يذكر فكرة الإمام المكتوم ورجعته في المصادر الموثوقة والتي هي بين أيدينا.
· قد تتشابه بعض آرائه وآراء عمه الإمام زيد والإمام أبو حنيفة والمعتزلة فيما يتعلق بمنزلة مرتكب الكبيرة والقدر، ولا ننسى أن المعتزلة ينسبون الفكر الأعتزالي إلى آل البيت العلويين.
· أتفق رأيه مع رأي أئمة عصره في عدم جواز الخروج على الحاكم إلا في ظروف معينة، خوفاً من الوقوع في الفتنة.
بناءاً على ما تقدم نلاحظ أن الإمام جعفر هو كما وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية، أحد أئمة أهل السنة والجماعة حيث أتفق معهم أكثر مما أختلف، مع وجود بعض التشابه في الآراء بينه وبين عمه الإمام زيد وذلك منبعه وحدة المصدر الذي انطلقا منه، وهناك بعض التشابه في أفكاره مع أفكار المعتزلة الذين ينسبون بدورهم الفكر الاعتزالي إلى أئمة آل البيت رضوان الله عليهم.
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
في علمــه وحكمته:
<o:p></o:p>
· سُئل أبو حنيفة يوماً: من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيىء له من مسائلك الصعاب فهيأت له أربعين مسألة ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلمت وأذن لي فجلست ثم التفت المنصور إلى جعفر فقال: يا أبا عبد الله تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثم أتبعها قد أتانا... (يقصد أنه رأه في المدينة)، ثم قال المنصور: يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله، فابتدأت أسأله فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا (أختلاف أجتهادات فقهاء العراق) وأهل المدينة يقولون كذا وكذا (في أشارة إلى أختلاف أجتهادات فقهاء المدينة)، ونحن نقول كذا وكذا (وهنا أشارة إلى أختلاف أجتهادات أئمة العترة) فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعاً... حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة ثم قال أبو حنيفة: " أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس".
<o:p></o:p>
· عن عمرو بن أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين، قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: "سلوني سلوني"... وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي".
<o:p></o:p>
· حدثنا أبو أحمد الغطريفي حدثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي حدثنا علي بن عبد الحميد حدثنا موسى بن مسعود حدثنا سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء وكساء خز أيدجاني فجعلت أنظر إليه تعجباً فقال: ما لك يا ثوري.. قلت: يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك.. فقال: كان ذاك زماناً مقتراً وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه عزاليه.. ثم حسر عن ردن جبته فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل وقال: "لبسنا هذا لله وهذا لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه".
<o:p></o:p>
· كان أبو جعفر المنصور في مكة للحج فوقع عليه ذباب فذبه عنه، فألح.. فقال لجعفر بن محمد: لم خلق الله الذباب؟ فقال جعفر: "ليذل به الجبابرة".
<o:p></o:p>
· أبرز تلاميذ الإمام جعفر، عالم عربي مسلم ملئ صيته الدنيا وكان له الفضل في الكثير مما وصل إليه علم الكيمياء في العصور الوسطى، ولقب بأبو الكيمياء... وهو جابر بن حيان الأزدي، نشر مجموعة رسائل في الكيمياء والرياضيات تحت إشراف الإمام جعفر وتوجيهه، بل أن هناك رسالة في الفلك تنسب للإمام جعفر لم ينكر نسبتها إليه أحد، فيها من البلاغة والعلم الشيء الكثير.
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
من دعائه:
<o:p></o:p>
جاء في سير أعلام النبلاء عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال: دعاني المنصور فقال: إن جعفرًا يلحد في سلطاني قتلني الله، إن لم أقتله فأتيته فقلت: أجب أمير المؤمنين.. فتطهر ولبس ثياباً فأقبلت به فاستأذنت له، فقال المنصور: أدخله قتلني الله إن لم أقتله، فلما نظر إليه مقبلاً قام من مجلسه فتلقاه وقال: مرحبًا بالنقي الساحة البريء من الدغل والخيانة، أخي وابن عمي، فأقعده معه على سريره، وأقبل عليه بوجهه وسأله حاله ثم قال: سلني حاجتك فقال: أهل مكة والمدينة قد تأخر عطائهم فتأمر لهم به.. قال: أفعل ثم قال: يا جارية، إئتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وأنصرف، فأتبعته فقلت: يا ابن رسول الله، أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: "اللهم أحرسني بعينك التي لا تنام وأكنفني بركنك الذي لا يرام وأحفظني بقدرتك علي ّ ولا تهلكني وأنت رجائي، رب كم من نعمة أنعمت بها عليّ قل لك عندي شكرها، وكم من بلية أبتليتني بها قل لها عندك صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدًا، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، أعني على ديني بدنيا وعلى آخرتي بتقوى، وأحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت، يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة أغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك، يا وهاب أسألك فرجًا قريبًا وصبرًا جميلاً والعافية من جميع البلايا وشكر العافية".
<o:p></o:p>
وفاته:
<o:p></o:p>
تشير المصادر إلى أن الإمام جعفر فارق الحياة في شوال عام 148 هجرية وهو في كامل قوته وعطائه في عمر الثامنة والستين... وقد أثار البعض وجود شبهة في أنه مات مسموماً بإيعاز من أبي جعفر المنصور، ولكن لا يوجد دليل على كذلك، بل أن اليعقوبي في تاريخه ذكر بأن أبي جعفر المنصور حزن حزناً شديداً وبكى حتى أبتلت لحيته وقال لأحد جلاسه أن جعفراً ممن قال الله فيهم: " ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا".
<o:p></o:p>
يروى عن الإمام مالك أن الرجل الصادق لا يصيبه خرف الشيخوخة ولا يفقد وعيه عند الحشرجة... ومن يكون أصدق ممن أجمع خصومه وأوليائه والتاريخ على صدقه... كان رضي الله كدأبه طوال حياته حتى لحظاته الأخيرة هادياً ومرشداً، وشدد في وصيته بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها فهي عمود الدين.
<o:p></o:p>
ونقل الإمام الزواوي في كتابه المؤلف في مناقب الإمام مالك، رحمه الله: " أن قوماً منأهل الكوفة، دخلوا على جعفر الصادق في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله، فسألوه أن ينصب لهم رجلاً بعده يرجعون إليه في أمر دينهم، فقال: " عليكم بقول أهل المدينة،فإنهاتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، عليكم بآثار من مضى، فإني أعلمكم أني متبع غير مبتدع، عليكم بفقه أهل الحجاز، عليكم بالميمون المعان المبارك في الإسلام، المتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أمتحنته فوجدته فقيهاً فاضلاً، متبعاً مريداً، لا يميل بهالهوى، ولا تزدريه الحاجة، ولا يروي إلا عن أهل الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أتبعتموه أخذتم بحظكم من الإسلام،وإن خالفتموه ضللتم وهلكتم، ألستم تقولون إني ملئ من العلم، غير محتاج إلى أحد من الخلق، فإنه قد أخذ عني كل ما يحتاج إليه، فلا يميل بكم الهوى فتهلكوا، أحذركم عذاب الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم...قالوا:من هو ؟ قال: مالك بن أنس" .... هذا والله أعلم،،،
<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
سيرة عطرةٌ أخرى، أعيتني القراءة عنها بسبب قلة المصادر الموثوقة من جهة، وبسبب كثرة الكذب عليها من جهة أخرى، وأختصرت الكثير والكثير من هذه السيرة الغنية بالأحداث والمواقف والصبر... وللأسف تكاد تكون مغمورة بالنسبة للبعض منا، ومن المثير للعجب أن البعض يعتقد أنه لم يكن بمستوى الأئمة الأربعة المعروفين عند أهل السنة، فكيف لا يكون بنفس المستوى وقد جلس لدروسه إمامين فنقلا عنه وتأثرا به وهما أبي حنيفة ومالك، وجاء من بعدهم الشافعي الذي تتلمذ على فقه الإمام مالك... هناك حاجة لإعادة قراءة بعض المصادر التاريخية وتنقيحها بعيداً عن الإملاءات السياسية والتعصب، وكما ذكر ابن تيمية رحمه الله، أن هناك مغالين في كل طائفة... أتمنى أن أكون قد وفقت في تقديم هذه الشخصية لكم بما يليق ومنزلة الإمام جعفر كإمام من آل البيت وكإمام من أئمة الأمة الإسلامية، دون تقصير في حق المحبة ودون إخلال بأمانة النقل العلمي... فإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأن أصبت فمن الله سبحانه وتعالى،،،<o:p></o:p>
<o:p></o:p>