محطتنا اليوم عند فقيه مختلف، قالوا عنه لم يكن بعد الصحابة فقيه أشعر منه ولا شاعر أفقه منه،،،
7) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
أبو عبدالله الهذلي، المدني.. إمام وفقيه من الفقهاء السبعة، أخوه المحدث عون، وشقيق جده الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه... كان عالماً فاضلاً تقياً، كثير الحديث ومن الثقاة، وعلى خلاف غيره من الفقهاء كان شاعراً رقيقاً ذا حس مرهف وعاطفة جياشة...
لازم ابن عباس رضي الله عنه، طويلاً وحدث عنه وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأبو هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم، وخلق كثير غيرهم...
كان أبوه عبدالله رجلا صالحاً، تولى بعض الأعمال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحمد سيرته... وله أخوان هما عون، وعبد الرحمن، وقد اشتهر عون بالفقه والأدب والنسك، وكان وثيق الصلة بعمر بن عبد العزيز...
v علاقته بعمر بن عبدالعزيز: أرتبط بعلاقة وثيقة بعمر بن عبدالعزيز إذ كان معلمه، وله عليه ما للأستاذ على تلميذه من حقوق، ولا أدل على ذلك من قول عمر بن عبدالعزيز عندما تولى الخلافة: لو كان عبيدالله حياً ما صدرت إلا عن رأيه. هذه المكانة أتاحت لأبو عبدالله الدخول على عمر بن عبدالعزيز عندما كان والياً للمدينة، ساعة يشاء دون أن يمنعه حارس أو يستوقفه حاجب... إلى أن حدث في يوم أن منع الحاجب أبو عبدالله من الدخول لأن الوالي مختلي بعبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فأنصرف غاضباً ظناً منه أنها تعليمات ابن عبدالعزيز، وما أن وصل إلى بيته حتى أرسل هذه الأبيات الغاضبة: بسم الذي أُنزلت من عندهالسُّـــوَرُ
والحـمد للـه أمـا بعـد يـا عمـرُ
إن كـنت تعـلم مـا تأتيوما تَـذَرُ
فكُنْ علـى حذر قـد ينفـع الحـذر
واصــبر على القدر المحتوموارْضَ بـه
وإن أتاك بمـا لا تشـتــهـي القدرُ
فمـا صفـا لامـرئ عيشيُسَرُّ بـه
إلا سيَتبـعُ يوماً صــفوَه كـدرُ
وقد اختلف ترتيب هذهالأبيات في بعض كتب الأخبار وهي تكشف عن مدى اعتزاز عبيد الله بنفسه، وحرصه علىكرامته، ووقوفه من عمر بن عبد العزيز موقف الند، فليس معنى الولاية أن يحجب الأكابرعن بابه، أو أن ينتظر من عبيد الله أن يعود إليه بعد أن يرده حاجبه عنبابه... v مشاهد من حياته: § كان عبيدالله ممن يطيلون في الصلاة، ولا يعجل عنها لأحد، ونقل الرواة أن علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما، جاءه وهو يصلي وجلس ينتظره، وطالت صلاة عبيدالله، فعاتبه بعض أقرانه وقالوا له: يأتيك ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحبسه هذا الحبس؟ فقال: اللهم غفراً، لا بد لمن طلب هذا الشأن أن يُعنى. § كان عبيدالله متزوجاً بأمرأة تدعى عثمة، وكان يحبها حباً شديداً، ولها مكانة في قلبه لم يصل إليها إنسان في حياته، فوقع بينهما ما يقع بين المرء وزوجه ويستلزم العتب، إلا أن الأمر تطور وأدى إلى الطلاق... لكن حب عثمة لم يطلق قلب عبيدالله، فقض مضجعه وأسهره ليله وأرق نهاره، ولم يستطع كتمان هذا الحب، فأنطلق شعره ليعبر فيه عن مكنونات صدره وينفث لهيب فؤاده جراء ما يعاني من ذلك الفراق. § كما كان رجلا ذا ذوق شاعري، وكان يطربللحن الجميل، والصوت الآسر، وكان له إلمام بالموسيقى لأنها صنو الشعر وما الشعر إلاموسيقى سرت في الألفاظ فتغلغت في المشاعر والأحاسيس وكان عبيد الله مثل غيره منالفقهاء المشهورين، والعلماء الذين لهم قدم راسخة في حقل الشرع، وعرفوا باستقامةالدين، ونقاء الفطرة، وسماحة الخلق، وسعة الأفق في معالجة الأمور. v قالوا عنه: § قال الزهري : "كان عبيد الله بن عبد الله بحراً من بحور العلم ." § وقال أحمد بن عبد الله العجلي : "كان أعمش ، وكان أحد فقهاءالمدينة ثقة ، رجلا صالحاً ، جامعاً للعلم ، وهو معلم عمر بن عبد العزيز" . § قال الزهري: "كان عبيد الله بن عبد الله لا أشاء أنأقع منه على ما لا أجده إلا عنده ، إلا وقعت عليه" . § قال الواقدي : "كان ثقة ، عالماً ، فقيهاً ، كثير الحديث والعلم بالشعر ، وقدذهب بصره ." § قال أبو زرعة الرازي : "ثقة ، مأمون ، إمام . " v وفاته: أصيب أبو عبدالله في آخر حياته بمرض في عينيه أفقده البصر، ما كان له وقع شديد على نفسه بسبب رقة مشاعره وحساسيته المفرطة لشعوره بتغير الناس عليه حتى أقرب أصدقائه، وتوفي في منتصف التسعينيات من القرن الهجري الأول... شخصية أخرى أرتقت أعلى الدرجات في سلم العلم، وأعلاها في سلم المشاعر الإنسانية، شخصية تستحق أن نتوقف عند سيرتها...