v في عبادته وعلمــــه:
§ روى ابن عساكر عن الأصمعي أنه قال: " دخلت الطواف عند السَحر، فإذا أنا بغلام شاب حسن الوجه، حسن القامه عليه شمله (كساء يوضع على الرأس)، ولد ذؤابتان، متعلق بأستار الكعبة ويقول:
ألا أيها المأمــول في كل ساعة**** شكوت إليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي**** وهب لي ذنوبي كلها وأقض حاجتي
فـزادي قليل وما أراه مـبلغي**** أللزاد أبكــي أم لبـعد مـسافتي
أتيت بأعــمال قـباحٍ رديّة***** فما في الـورى خلق جنا كجنايتي
أتحرقـني بالنار يا غــاية المنى**** فـأين رجـائي ثم أين مـخـافتي
فتقدمت إليه وكشفت عن وجهه، فإذا الحــسـن بن الحــســن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فقلت: ياسيدي، مثلك من يقول هذه المقالة، وأنت من بيت أهل النبوة ومعدن الرسالة؟ قال: هيهات يا أصمعي، أن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه وإن كان ولد قريشاً، أما سمعت قول الله عز وجل: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يساءلون" – المؤمنون 101.
وهذا والله هو الإيمان الحق، والفهم الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" – (صحيح مسلم 2699).
§ جاءه رجلً من الرافضة متأولاً حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " من كنت أنا مولاه فعليٌّ مولاه" بأنه نص صريح على خلافة الإمام علي رضي الله عنه، فقال له: " لو أراد الخلافة لخطب الناس فقال: أيها الناس اعلموا أن هذا ولي أمركم من بعدي – وفي رواية أخرى من كنت واليه فعليٌّ واليه، وهو القائم عليكم فاسمعوا له وأطيعوا، والله لئن كان الله ورسوله اختارا علياً لهذا الأمر ثم تركه علي لكان أول من ترك أمر الله ورسوله، وقال لهم أيضا: والله لئن ولينا من الأمر شيئاً لنقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، ثم لا نقبل لكم توبة، ويلكم غررتمونا من أنفسنا، ويلكم لو كانت القرابة تنفع بلا عمل لنفعت أباه وأمه، لو كان ما تقولون فينا حقاً لكان آباؤنا إذ لم يعلمونا بذلك قد ظلمونا وكتموا عنا أفضل الأمور، والله إني لأخشى أن يضاعف العذاب للعاصي منا ضعفين، كما أني لأرجو للمحسن منا أن يكون له الأجر مرتين، ويلكم أحبونا إن أطعنا الله على طاعته، وأبغضونا إن عصينا الله على معصيته".
وفي هذا دليل على بلاغة الحــســن المثنى وعمق فهمه للألفاظ والمعاني مع حفظه لحقوق الصحابة رضوان الله عليهم، وفهمه لدور آل البيت ومسئوليتهم في أرشاد الناس للطريق الصحيح في عبادة الله، فهم كما قال فيهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: " تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيت"، فالولاية قد تؤدي إلى التباغض بين الناس وولاتهم، أما المولاة فهي على النقيض فالولي يكون مع الناس في كافة أحوالهم.
§ رأى رجلا وقف على البيت الذي فيه قبر النبي يدعو له ويصلي عليه فقال للرجل: "لا تفعل فإن رسول الله قال لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني".
وقد عاب بعض العلماء على الإمام الــحــسن المثنى هذا الرأي وذلك لأخذهم بظاهر الألفاظ والمعاني ولفضل الصلاة في المسجد النبوي، ولكنهم لم يدركوا قصده بالتأكيد في إبلاغ هذا الرجل بأن الصلاة على النبي واجبة في كل زمان ومكان، وليست محصورة بمكان واحد وإلا لوجب على كل مسلم بأن يشد رحاله إلى المسجد النبوي للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن في رأيه رسالة واضحة بعدم المبالغة في التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن اليوم نرى من بعض المسلمين غريب التصرفات عند زيارتهم للروضة الشريفة، بالرغم من جهود القائمين على الحرم النبوي بتوعيتهم إلا أنهم للأسف يعتبرون هذه التصرفات والأقوال ما هي إلا للتقرب لله عز وجل ودليل على محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام.
§ وقال في مبدأ التقيّة: " إنما هي باب رخصة للمسلم إذا أضطر إليها، وخاف من ذي سلطان، فيعطيه غير ما في نفسه.. يدرأ عن ذمة الله ما بلغ من التقيّة يجعل بها لعبدٍ من عباد الله أن يضل عباد الله".
وفي هذا دلالة واضحة على فطنته وفهمه لمبدأ التقيّة بطريقة صحيحة كما أراد بها الله تعالى، فهي وسيلة لحفظ نفس المسلم إذا أحس بالخطر من سلطانٍ جائر، ولكنها ليست مطلب شرعي يجب على المسلم تبنيه والعمل به في كافة الأحوال والظروف، فالمسلم يجب أن يكون صادقاً مع الله ونفسه والناس... وللأسف في يومنا هذا أصبحت التقيّة روتين يومي عند بعض الناس، كما أتخذها بعض أعداء المسلمين كوسيلة لتكذيب أقوال وآراء علماء آل البيتعن الصحابة رضوان الله عليهم بحجة أنهم أتخذوا مبدأ التقيّة، وفي هذا أساءة لهم فهم ما كانوا إلا أئمة هدى، تضليل الناس ليس هدفهم.