(الوصف بالريحة وموقف طريف مع أحد الأتراك)
بعد أن واصلت تقدمي وابتعدت عن مدينة (قوقسن) بعدة كيلومترات طلب سلطان دورة المياه ، ثم تتالت الطلبات من سلطان طوال الثلاث ساعات التالية بمعدل حمام ، أقصد طلب للحمام كل ثلث ساعة تقريبا ، كان الاتجاه إلى مدينة (بينار باشي) ثم (شاركشلا) وبعدها (سيفاس) وبعد أن قطعت حوالي 20 كلم تزيد أو تنقص بدأ الإزفلت في التلاشي حيث كان يوجد في الطريق إصلاحات وكنت قد قرأت في موضوع للأخ قلبوا إن لم تخني الذاكرة يحذر من وجود إصلاحات على الطريق الذاهب إلى سيفاس ، سرت في هذا الطريق حوالي 10 كلم ثم عاد الإزفلت من جديد وكان أبو صهيب قد أخبرني عن طريق مختصر وطلب مني أن اتصل به عند أول قرية تقابلني بعد تجاوزي للإصلاحات التي على الطريق ، توقفت عند مدخل ما خيل لي أنها قرية وشممت رائحة روث البقر أعزكم الله فاتصلت بأبو صهيب فبادرني قائلا وكأنه جالس معي : هل تشم الرائحة؟ قلت نعم ، قال خذ يسار! .. يا سلام على فن وصف الطرق بالرائحة ، إنه فتح جديد من الخبير أبو صهيب فلقد بلغ من المعرفة بمسالك وطرق الشمال أنه يستطيع أن يدلك على معالم الطريق باستخدام الروائح ، والحقيقة أنني شككت في مقدرته وأعتذر منه فلم آخذ كلامه على محمل الجد وكان يقف على الجانب الآخر من الطريق رجل تركي اقترب مني حتى دون أن أناديه فاعطيت الهاتف لأبو صهيب لأتأكد من أن الطريق الموجود على يساري هو فعلا الطريق الذي ينبغي علي اتباعه وكان هو فعلا الطريق الذي يقصده أبو صهيب عندما سألني عن الرائحة وهذه صور للطريق والمفرق الذي فرقت منه صورته في طريق العودة مع الإحداثيات من أجل التوثيق فهو أول طريق يتم الإستدلال عليه عن طريق الرائحة فيما أعلم :

(مدخل الطريق أبو ريحة على اليسار بالقرب من السيارة الحمراء المتوقفة)


بعد أن أنهيت إتصالي بأبو صهيب وأردت الانعطاف إلى اليسار للسير في الطريق الذي دلني عليه إذا بالرجل التركي يحدثني بكلام لم افهم منه حرفا وهو يشير إلى الطريق الذي سوف أسلكه ولكن من خلال متابعتي لتقارير الأعضاء في المنتدى وإطلاعي ولو بشكل سريع على موضوع اخونا علي ترك حول تعلم اللغة التركية وباستخدام لغة الإشارة وحركات العين وتعابير الوجه عرفت أنه يدعوني إلى منزله لتناول قدح من الشاي وإكرامنا لأننا من عرب استان ، وكان يلح إلحاحا شديدا وهو يشير باتجاه منزله وأنا أبتسم في وجهه وأقول : يوك ، مسافر ، عربستان مسافر يوك ، بير ، نكسار ، ثم أطالع في ساعتي كناية عن تأخري وأنني راغب في الوصول إلى وجهتي بسرعة قبل حلول الظلام ، وبالإشارة أستطعت أن أوصل له معلومة أنني لو حصلت لي فرصة وعدت من هذا الطريق مرة أخرى ووجدته فسوف أجيب دعوته بإذن الله ، ما أطيب وأكرم الأتراك ، وكانت الوالدة تسألني طوال ذلك الحوار عن ماذا يريد الرجل وأنا أقول لها : يريد أن يستضيفنا في بيته ليكرمنا فهو يعرف أننا من الجزيرة العربية ومن مكة والمدينة وأحاول أخباره أننا مستعجلين ، تركت الرجل وإمارات الأسى والحزن مرتسمة على وجهه حزنا أننا لم نجب دعوته ولم نستجيب لضيافته ورأيت وجهه في المرآة وهو يقف يرمقنا بحزن ونحن نسير في ذلك الطريق الترابي غير المعبد حتى أختفينا عن أنظاره ، قطعت قلبي نظراته وندمت أننا لم نتوقف ولو لخمس دقائق كي نجبر بخاطره ونشرب ولو فنجال من الشاي وعقدت العزم على إجابة دعوته لو وجدته عندما أعود من نفس هذا الطريق ..

سرت مسافة ليست بالقصيرة ولم يكن يوجد في الطريق سيارات قادمة ولا ذاهبة والطريق ترابي وأنا أسير عليه ببطء وحذر وتذكرت الليلة الماضية عندما أخطأت الطريق وسرت مسافة 35 كيلو في ظلام الليل عندما لم أنتبه إلى لوحة (إصلاحي) الله يصلحني بس ، وبدأ الفأر يلعب في عبي من جديد ، معقول أبو صهيب يكون أخطأ في وصفة الطريق؟ وعندما وصلت إلى مفترق طريقين واحد بإتجاه الأمام والآخر يذهب إلى اليمين قلت (ما بدهاش) خليني أرجع وأسأل أحد علشان اتأكد ، وفي أثناء استدارتي ورجوعي وجدت (باص) يحمل ركابا فاستوقفته وسألته عن طريق سيفاس فأشار لي أن اواصل طريقي نحو الإمام وعندها عاتبت نفسي كيف أشك في وصف أبو صهيب؟ وفجأة نزل من الباص ذلك الرجل الذي قابلناه عند مدخل الطريق والذي كان يصر علينا كي ننزل ونتناول الشاي في ضيافته وأتضحت لي المسألة برمتها ، المسكين كان يريدني أن آخذه معي في طريقي وأنا كنت احسبه يريد أن يضيفني ويعزمني ، كان هو في واد وأنا في واد آخر ، هذا وأنا دارس كم كلمة تركي في فصل علي ترك ، كيف إذا لو لم أدرس ، طلعت تلميذ خائب ، لهذا السبب كانت نظراته حزينة وهو يتابعني بانظاره وأنا أغيب عنه ، بيته كان على نفس الطريق الذي سلكته ولأن الطريق لا تطرقه سيارات كثيرة فلقد كان ينتظر طوال النهار سيارة عابرة تقله لمنزله ، ولحسن حظه أتى ذلك (الباص ) وركب فيه في نفس الوقت الذي كنت فيه أحاول الاستدارة والعودة للتأكد من صحة الطريق .. المسكين رحمته وهو مستغرق في الحديث يحاول أن يشرح لي ويوصل لي ما يريد وأنا متشبع بتقارير الأعضاء عن كرم الأتراك في الشمال وأهز رأسي دلالة الفهم وهو في واد وأنا في واد وكما قال الشاعر : أيا من يدعي الفهم .. إلى كم يا أخا الوهم .. تعبي الذنب والذم .. وتخطي الخطا الجم .. وكان خطاي جما في فهم ما يعنيه ذلك الرجل ..
وصلنا إلى مفترق طرق على اليمين (سيفاس) وعلى اليسار (يلدزلي) ولم أكن قد سجلت في ورقتي التي كتبت فيها المدن أن هناك مدينة إسمها يدلزلي تأتيني قبل لوحة توكات ولأن عقلي مبرمج على الوصول إلى مدينة سيفاس ثم البحث عن لوحة توكات لذلك انعطفت يمينا بدلا من الانعطاف إلى اليسار وبعد 30 كلم وصلت إلى سيفاس ودخلتها ثم وجدت لوحة تشير إلى توكات إلى نفس الطريق الذي قدمت منه .. الله ؟ .. حنا بنلعب هنا؟ .. توقفت عند محطة للوقود وسألت فأخبرني أنه تاتيني مدينة يلدزلي ثم بعدها لوحة تشير إلى اتجاه توكات فعدت أدراجي مرة أخرى بعد تاخير ليس بقصير ، 30 كلم رايح و30 كلم راجع ، ولم أصرح بهذا لأبو صهيب خوفا من سهام نقده كالعادة وأيضا من باب : إذا بليتم فاستتروا ..
وأخيرا وصلنا توكات قريبا من العصر وتوقفنا عند محل فواكه واشترينا بعضا منها وسألت عن الطريق إلى نكسار وعند مدخل نكسار توقفت عند محطة وسألت عن عنوان فندق نوري فأشاروا لي إلى وسط البلدة فوصلت عند هذا المسجد :
وبعد مسافة قصيرة لاح الفندق والمسجد المجاور له كما تلوح الجزيرة لبحارة أضناهم السفر لأشهر لم يروا فيها اليابسة فحمدت الله وشكرته على وصولنا بعد أربعة أيام منذ ان أنطلقنا من الرياض يوم الثلاثاء 6/7/2010 في السادسة والنصف مساء وحتى وصولنا إلى فندق نوري في نكسار يوم الجمعة 9/7/2010 في السادسة والنصف مساء أي حوالي 96 ساعة بالتمام والكمال فلله الحمد والمنة والفضل والثناء الحسن ..
(فندقنا فندق نوري بارك في نكسار حيث أمضينا فيه 14 ليلة بالتمام والكمال هي كامل رحلتنا إلى هذه المناطق في الشمال التركي )
يتبــــــــــــــع قريبا بإذن الله