اسبانيا… حالة عشق إسلامية خاصة منذ فجر حضارة الإسلام، فهى وتوأمها البرتغال كانتا أرض الأندلس..، شريان الإسلام التاجى فى قلب القارة العجوز على امتداد ثمانية قرون (711 - 1614م)، حضارة نهلت من قطوفها البشرية ولا تزال، اسهامها واضح فى نهضة أوربا، فردوس خالد لم تزل شواهده تثير الإعجاب، فمحراب مسجد قرطبة لا يزال يخطف الأبصار، وقصر الحمراء لؤلؤة لآلئ السياحة الاسبانية، المفردات والأسماء العربية لا تخطئها الأذن فى كافة المدن الأسبانية، ناهيك عن تحولها إلى قبلة البكائين من الشعراء العرب على الأمجاد الماضية والعزة السالفة، فهى الوجع المقيم فى سويداء قلب التاريخ الإسلامى، المرارة المقيتة فى حلقه، ولهذا فرغم حسرات المسلمين على الفقدان والخسران وزفرات الضياع ولوعة الحرمان من الفردوس إلا أن هذا الفردوس ظلّ حيّاً باقياً لأنه شعَّ ولا يزال على العالم الأروع على صعيد العلم والفن والفكر؛ من خلال ابداعات ابن رشد، وعذوبة ابن زيدون، وتألق ابن حزم ورفاقهم. ولكن الوجه الآخر من الحقيقة الأندلسية أن الوجود البشري الإسلامي قد انعدم من أرض الأندلس بسبب سياسة الاستئصال والأسبنة المتعصبة التي بلغت ذروتها بالطرد الجائر للمسلمين من الفردوس فيما بين سنتى 1609 و1614. هكذا وطبقاً للتاريخ الرسمي لم يبق بالأراضي الاسبانية مسلم واحد بعد سنة 1614، باستثناء الرعايا المغاربة المسلمين سكان مدينتي سبتة ومليلة اللتين دخلتا تحت الاحتلال الاسباني منذ حوالي أربعة قرون، الأولى في سنة 1580 والثانية في 1556.
التواجد الحالى
كما كان لخروج المسلمين من الأندلس تاريخ فإن للعودة أيضاً تاريخها، ففي منتصف السبعينيات من القرن العشرين كانت أزمة البترول العالمية، والتي كان من نتائجها بطء النمو الاقتصادي لدول شمال ووسط أوربا، مما أجبر حكومات هذه الدول مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا على غلق حدودها أمام تيار الهجرة الاقتصادية القادم من العالم الثالث والعالم الإسلامي. مع ذلك لم تتوقف الهجرة، وأنّى لها أن تتوقف؟ فثمة أزمة اقتصادية طاحنة كانت تعصف بدول العالم الثالث منذ أوائل السبعينيات وطوال حقبة الثمانينيات، بالإضافة إلى زيادة سكانية كانت تضغط على الشباب العاطل أو المحبط للبحث عن الرزق في أراضي أخرى. زد على هذه الهجرة الاقتصادية هجرة سياسية من جراء الحروب والاضطرابات والنزاعات السياسية مثل الثورة الإسلامية في إبران عام1979 وأحداث لبنان في الثمانينيات وحربي الخليج الأولى والثانية ومؤخّراً أحداث الجزائر في التسعينيات. بيد أن الجديد أن تيار الهجرة في مجمله غيّر وجهته إلى بلدان أوربية أخرى كانت حتى منتصف السبعينيات مناطق طرد، بالتحديد إلى جنوب أوربا، وعلى وجه الدقة إلى إيطاليا واسبانيا؛ لأن هاتين الدولتين منذ منتصف السبعينيات وخلال الثمانينيات شهدتا نمواً اقتصادياً مرتفعاً، مما حوّلهما إلى دولتين جاذبتين للمهاجرين، وخاصة من دول الجوار المتوسطي العربي الإسلامي، لاسيما من بلاد المغرب العربي. وكما أوضحنا من قبل تمثل الهجرة المصدر الأول والمغذِّي الأساسي للوجود البشري الإسلامي في أسبانيا. ويشكِّل المغاربة الغالبية العظمى من المسلمين المهاجرين في أسبانيا، وإلى جانبهم توجد أعداد أخرى من شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى. وهؤلاء المسلمون -خاصة المغاربة- موزَّعون في غالبية الجغرافية الاسبانية، ولكنهم يتركزون أكثر في مقاطعات مدريد وقطَلونية وأندلوثيـَّا. وحسب تقرير أصدرته لجنة الشئون الدينية بوزارة العدل الأسبانية ونشرت صحيفة الموندو الأسبانية ملخصا له يوم 4/5/2004.. فإن عدد المسلمين في أسبانيا يبلغ نحو 600 ألف شخص.
العمل المؤسسى
أغلب الأماكن المخصصة للصلاة في أسبانيا أشبه بالزوايا، فهي عبارة عن مكان صغير مغطى بسجاد أو موكيت بسيط. وهذه الأماكن تتنوع ما بين الشقق السكنية والمحال التجارية أو العنابر الصناعية التي يحصل المسلمون على ترخيص بأداء الصلاة فيها. ومع ذلك فهناك بعض المساجد الكبيرة التي تم إنشاؤها في فترات ماضية، مثل مسجد ماربيا الذي تم الانتهاء من بنائه في 1982 م ومسجد أبو بكر الصديق في العاصمة مدريد الذي أنشئ عام 1972، وهو أول مسجد يبنى في تاريخ أسبانيا الحديثة. وكلا المسجدين بني بمعونة سعودية. وكانت مجموعة من الأسبان الذين اعتنقوا الإسلام قد قررت منذ أكثر من عشرين عاماً بناء مسجد في غرناطة أمام قصر الحمراء الذي يمثل إطلال مجد غابر.. فهل يمثل بناء هذا المسجد الذى أفتتح فى يوليو 2004م عودة للإسلام مرة أخرى إلى أرض الأندلس. إن مالك عبدالرحمن رويث المتحدث باسم المسجد الجديد ينفي ذلك قائلاً: “إننا لا نشعر بأي حنين إلى الماضي. كما أن المسؤولين في بلدية غرناطة ينفون أن لديهم أي شعور بالخوف من عودة المسلمين.كما أفتتح المسجد الوحيد في مدينة ريوس بإقليم كاتالونيا شمال شرق أسبانيا يوم الجمعة 7/5/2004 أيضاً.ولا تختلف وظيفة المسجد في أسبانيا عنه في أي بلد عربي أو إسلامي، فهو مكان تقام فيه الصلاة ودروس تحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية والعلوم الدينية.
منظمات إسلامية
يرى البروفيسور جوردي موراريس في كتابه المسلمون في برشلونة.. فضاءات وحركات إجتماعية أن الفترة بين 1968 و1971 شهدت ظهورًا بطيئًا للجمعيات الإسلامية في أسبانيا. فقد تم إنشاء الجمعية الإسلامية الأسبانية عام 1971 التي قامت ببناء مسجد أبو بكر الصديق في مدريد. وبحلول عام 1989 والاعتراف الرسمي بهذه الجمعيات تسابق الكثيرون من أجل الحصول على تمثيل المسلمين، فتم تكوين اتحاد الجمعيات الدينية الإسلامية الذي ضم 15 جمعية. ويرصد موراريس ظهور الكثير من الجمعيات الإسلامية حتى في الأماكن التي يندر وجود مسلمين فيها، وإلغاء عدد آخر، حتى تم تكوين اتحاد المجتمعات الإسلامية الذي ضم 17 عضوًا، وأصبح القوة الرئيسية على الساحة، والممثل الأساسي للمسلمين.وفي عام 1992 اشترطت الحكومة الأسبانية التوحيد بين الاتحادين الرئيسيين للجمعيات الإسلامية عندما تقدمت الحكومة بمشروعها لإدراج الدين الإسلامي في برامج الدراسة في المدارس، فتم إنشاء اللجنة الإسلامية الأسبانية.
كسب معركة الحجاب
كسب المسلمون في أسبانيا العام الماضي حق ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس بعد معركة طاحنة مع إدارة مدرسة غربي العاصمة مدريد رفضت دخول طالبة مسلمة وهي ترتدي غطاء الرأس (الخمار). وكانت مدرسة ثانوية فيسان لوري نزو ديل إسكوريال أبلغت الطالبة المسلمة فاطمة (13 عاماً) -وهي ابنة مهاجر مغربي- أنه لا يمكنها ارتداء الحجاب في مدرستها بعدما صرحت مديرة المدرسة لوسائل الإعلام بأن الحجاب رمز لما أسمته بالتمييز بين الجنسين، وأيدت وزيرة التعليم قرار مديرة المدرسة بمنع فاطمة من دخول المدرسة، بينما أعلن والد التلميذة أن ابنته لن تذهب للمدرسة إلا بالحجاب، بعد أن عقد والد التلميذة مؤتمراً صحفياً بمقر رابطة العمال المغاربة المهاجرين بمدريد، أكد خلاله لوسائل الإعلام أنه لم يجبر ابنته على ارتداء الحجاب، وإنما هي التي ترتديه بكامل حريتها، نافياً ما نسبته إليه الصحف من إجبار ابنته على ارتداء النقاب في المستقبل. لكن مستشار السلطات التعليمية في مدريد وبعد لقائه مع أعضاء المجلس الإسلامي بأسبانيا، ألغى قرار المديرة واعتبره لا يمثل سياسة أسبانيا في تعاملها مع مواطنيها من الجالية الإسلامية وتسامحها الديني والفكري، كما يقضي بحقها في الحصول على التعليم الإلزامي المقرر للأطفال في المدارس الأسبانية بدون أي شروط مسبقة، مشيراً إلى أنه توجد حالات مماثلة لفتيات مسلمات يذهبن إلى المدارس في أسبانيا بالحجاب. وقد تصاعدت حملات العداء ضد الحجاب الإسلامي حديثاً، بعد أن شهدت تزايداً في عدد السكان المسلمين وأغلبهم من الجالية المغاربية الجزائر والمغرب وتونس ونوعاً ما موريتانيا، كما أن حدة التوتر بشأن الحجاب الإسلامي وقضايا الاختلافات الثقافية بين الأسبان والجالية الإسلامية والمهاجرة، زادت بعد التصريحات التي أدلت بها وزيرة التعليم الأسباني بيلار ديل كاستيلو” العام الماضي عندما قالت لإحدى الصحف: “إنه يتعين على أطفال المهاجرين تبني العادات الأسبانية. وقد وضعت تصريحات الوزيرة السلطات الأسبانية في موقف حرج، وخاصة أن المسؤولة عن القطاع اتهمت من طرف الجمعيات المدافعة عن المهاجرين والمسلمين في أسبانيا بوضع العراقيل في وجه أطفال المهاجرين، وهو ما أدى بالقائمين على التعليم في أسبانيا إلى التحذير من أن انخفاض نسبة أبناء المهاجرين في المدارس سيؤثر لا محالة على مستقبل أسبانيا كلها؛ لأنهم سيمثلون عدداً كبيراً لم يحصل على التعليم الكافي؛ ومن ثم لن يدخلوا سوق العمل بشكل فعال، ويكون الشارع والجريمة وسيلة من وسائل التنفيس عن النفس، مع الإحباط المشفع باليأس.