رد: اسبانيا.. رحلة استكشافية من شمالها لأقصى الجنوب مرورا بأجمل مدنها الحضارية والتاريخية
الجزء الثالث 10/3
Barcelona 2 برشلونة 2
مصارعة الثيران
تحذير " هذا الجزء مليء بالمشاهد المؤثرة" ولولا انها جزء هام من ثقافة الأسبان لما تطرقنا إليه . . . بعد ان صلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً في حديقة الكنيسة توجهنا مشياً الى حلبة بلازا دي توروس مونومينتال Plaza de Toros Monumental
وهي حلبة مصارعة الثيران ذات الشهرة العالمية شيدت في العام 1914م وتتسع لـ 20 الف متفرج
دخلنا بعد ان قطعنا تذاكر باهظة الثمن فالسعر يتراوح بما يعادل 140 ريال الى 750 ريال وذلك حسب الارتفاع والابتعاد عن اشعة الشمس فالاغلى بالاسفل والشمس خلفك وهكذا
اخذنا اماكننا وكان بجانبنا شابين وشابتين امريكيون وكانت احد الشابات تتحدث كثيراً وبصوت عال تتحدث عن حسن اختيارها للأماكن وعن وقت العرض ونهايته وأشياء اخرى كثيرة انا نزلت اسفل بقليل عن مكاني المحدد وعن رفقائي لابتعد عنها من جهه ولأصور بشكل افضل من جهة اخرى والصور في هذا التقرير ليست من جولة واحدة وثور واحد وانما هي افضل الصور من جولات عدة والتي تتشابه تماماً في احداثها
وبعد ان جلست تلاقت نظرتي بنظرة سائحة انجليزية كبيرة بالسن جالسة بقربي فابتسمت لي تلك العجوز وطأطأت رأسها قليلاً لتحيتي فبادلتها التحية بعد ان ابتسمت
وما هي الا دقائق حتى بدأ العرض وقد بدأ باستعراض للجياد والمصارعين ومساعديهم فكل مصارع له ستة من المساعدين فارسان واربعة داخل الحلبة
وعند السابعة تماما دخل الثور الاول وهو بطبيعة الحال ثوراً جسيماً شرساً ذو قرنان سليمان ومدببان وبصحة جيدة وغير معتاد على البشر
فهرب الجميع منه
وبعد ان أخذ لفتين جرياً خلف المساعدين دخل احدهم حاملاً رداءً وردياً من جهه واصفر من الجهة الاخرى
فالثور يثيره اللون كلما اقترب من الاحمر وبالمقابل يجفل ويبتعد عن اللون الاصفر
وهؤلاء مساعدين وليسوا مصارعين لذا لا يحملون اللون الاحمر لكي لا يثيروا الثور بقوة وان حدث خطب ما قلبوا الرداء لإبعاد الثور
كما ان الثور في هذه الحالة يكون بكامل قوته البدنية ونشاطه وعليه يكون في منتهى الخطورة
وبعد جولتين او ثلاث من تدويخ الثور ومص شيئاً من حماسه دخل الفرسان ممتطين جياداً محمية الجسد معصوبة العينين وحاملاً كل واحد منهم حربته
وبعد ان رأى الثور الجياد وجه اهتمامه للهجوم عليها
وما ان إقترب من الحصان حتى غرس الفارس حربته في ظهره فتلقى الثور اول الطعنات
صرخت احدى الشابات الامريكيات بقوة واخذت تبكي بينما اخذت " ام لسان طويل " تصرخ وبصوت عال اقتلوه... اقتلوه الآن انه يتعذب هذا ليس عدلاً
اما انا ومن معي فقد نملت اجسادنا وتسارعت دقات قلوبنا هذا ونحن قد إعتدنا على رؤية الأنعام وهي تذبح بالاعياد والمناسبات والصيد وغيرها ولكن المشهد هنا مختلف تماما انه تعذيب انه تعذيب بوحشية وبعض الحظور قد لم يروا دجاجة تذبح طوال حياتهم فكانت الطعنة اشد وطئا على قلوبهم طعنة لم تنتهي بسرعة فقد اخذ الفارس اكثر من دقيقة حتى اخرجها من جوفه وذلك بعد ان ابتعد الثور عن الحصان بعد إثارته من احد المساعدين
ومرة اخرى عاد الثور الى الحصان ونطحه فغرس الفارس حربته في ظهره للمرة الثانية
لم تحتمل الامريكيتان المشهد فخرجن مع رفقائهن غير آبهات بحسن اختيار مقاعدهن وقد خرجن مع العشرااااات من المتفرجين الآخرين واللذين استنكروا العرض من اوله
وبعد ان غادر كل هؤلاء هدأ الجو كثيراً وخف الضجيج والنواح فسمعت أنين بجانبي وإذا هي العجوز الانجليزية تبكي وتجفف دموعها بمنديل قد بللته مشاعرها المرهفة
وبعد الطعنة الثانية انتهى دور الفرسان وغادروا ودخل ثلاثة من المساعدين وفي يد كل واحد منهم جوزاً من السهام
اثاروا الثور ليهجم عليهم
وما ان إقترب منهم حتى غرسوا السهام بظهره
وهي من اخطر المواجهات حيث ان المساعد يكون اعزل لا رداء معه ليحتمي به عند هجوم الثور عليه
فلم يصرخ الا القليل فقد خرج جميع المتهكمون واعتاد المشهد من بقي منهم اما العجوز فلازالت تبكي "ياحبة عيني" قطعت قلبي ببكائها فقامت وخرجت ومنديلها يمسح خدها
وبعدها اصبح الثور جاهزاً فدخل المصارع
الـ ماتادور
دخل حاملاً سيفاً ورداءً احمراً فاقعاً رداءً احمر بجهتيه لاصفار فيه
دخل متبختراً يجر قدميه جرأ وهو ينظر الى الثور بعزة وتعال
وقد ارتدى زياً مطرزاً بالذهب تتجاوز قيمته الـ 70 الف ريال
تبعه تصفيق حار من مشجعيه وهتافات وشعارات
فمصارعة الثيران ليست مجرد قتل للثيران لإمتاع الجمهور وانما هي مباريات ومنافسات ودوريات للفوز بالبطولات وفي كل مباراة يتبارى ثلاث مصارعين يقتل كل واحد منهم ثلاث ثيران ويجمعون النقاط حسب آدائهم وللجمهور دور كبير بالتحكيم
وبعد ان لف الماتادور السيف بالرداء أخذ يرقص الثور ترقيصاً
يرقصه يمنةً ويسرة
يرقصه بفن واحتراف
فبعد مئات السنين من مصارعة الثيران درس المصارعون الثور وسلوكه جيداً
عرفوا متى يتحرك ومتى يهجم ماذا يثيره وماذا يهدئه
فأخذ المصارع يتلاعب به ويرقصه بخفة وفن وكأنه يتلاعب بأوتار عود او بأصابع بيانو حتى انه يسقط الثور احياناً
وبعد ترقيص الثور مراراً وتكراراً بتبختر وتعال حان الدور لقتله فقام الماتادور بتغيير سيفه الى سيف اكثر حدة ومسنن من جهتيه
وقبل قتله لابد من ترقيصه قليلاً
نحن شاهدنا بالتلفاز كثيراً من الثيران تسحق مصارعيها وتمنينا ان يحدث هذا فتوجهنا الى مطوعنا وطلبنا منه الدعاء فتوجه الى القبلة ورفع يديه ودعى ربه فلم يحدث شيء! بل اخذ المصارع يرقص الثور اكثر واكثر فعرفنا ان مطوعنا تخصصه فقط "مصاليخ"
فرفع الماتادور السيف ايذاناً بغرسه في احشاء الثور فسكت الجمهور وترقبوا الحدث بصمت تام
فصرخت الجماهير وسط هتاف وتصفيق حار واخذ المساعدين بشد انتباه الثور ليتحرك يمنة ويسرة كي يقطع السيف ما بقي من احشائه
حتى سقط الثور
فدخل احد المساعدين وفي يده خنجر فغرسه برأس الثور ليلفظ ما بقي من انفاسه
ثم قطع اذني الثور واعطاها الماتادور فأخذ يتباهى بها وهو يدور على الحلبة وخلفه مساعديه وسط تصفيق الجمهور ورمي قبعاتهم عليه واعطائه الزهور ولقد دهشت عندما رأيت العجوز الانجليزية بالمدرجات اسفل مني تصفق له فهي لم تخرج وإنما استبدلت مقعدها لتحظى برؤية افضل
وبعدها ادخلت البغال وتم جر الثور خارج الحلبة
وقد اخذت هذه الجولة نصف ساعة تماماً فكل مصارع لديه نصف ساعة ليصرع ثوره
ورغم اننا مستجدين لانفقه الكثير بهذه الرياضة الا اننا استطعنا تمييز آدائهم بكل سهوله فأحدهم فشل في غرس السيف في احشاء الثور مرتين متتاليتين
بينما احدهم ويدعى سبستيان كاستيا Sebastian Castella كان ذو براعة وفن مطلقين ورغم صغر سنه الا انه اثبت جرآئته وجدارته في هذا المجال ففي احد المرات وبينما كنا نشاهده يرقص الثور وقف امام الثور واضعاً الرداء خلفه ولم يكن بينه وبين الثور الا نصف متر تقريباً ثم قام بتقبيل يده ووضعها على جبين الثور وغادر تاركاً الثور خلفه غير آبه به او بما سينم عنه تصرفه الجريء
ومثل هذه الحركات تزيد من نقاط الماتادور فعندما يقتل الماتادور ثوره يرفرف الجمهور بمناديل بيضاء للجنة التحكيم طالبة منهم إعطائه منديلاً
عندها تخرج لجنة التحكيم منديلاً
واذا لم يتوقف الجمهور عن رفرفة مناديلهم فهذا يعني طلبهم المزيد من لجنة التحكيم والتي تضطر تحت إلحاحهم الى اخراج منديل آخر
وهكذا تجمع المناديل وهي كالنقاط في كرة القدم وذاك المصارع الذي فشل في غرس سيفه مرتين لم يحصل ولا على اي منديل من ذاك الثور كما ان شراسة الثور والسيطرة عليها لها اعتبارها عند التحكيم فالثور الشرس ليس كالهادىء مع العلم ان الثور اذا لم يكن شرساً بما فيه الكفاية يستبدل بعد طلب الجماهير وذلك بعد ادخال عدة ثيران مدربة ثم تخرج ويخرج الثور معها وهو ما حدث مع احداها اثناء حظورنا
وبالاخير اعلم ان مصارعة الثيران منتشرة في العديد من دول العالم فبالاضافة الى اسبانيا هي حاظرة بقوة في البرتغال واغلب دول امريكا اللاتينية وعلى رأسها البرازيل والمكسيك وهي آخذه بالانحسار وخصوصاً في اسبانيا فالملايين من الاسبان عزفوا عن حظور المصارعات منذ عشرات السنين فعندما بدأ العرض كانت اكثر من نصف الحلبة خالية والحظور جلهم من السياح رغم انها الحلبة الوحيدة في مقاطعة كتالونيا كلها نظراً لاغلاق جميع الحلبات الاخرى عام 2007م بعد الاستنكار الشعبي لهذه الرياضة وضغوط جمعيات الرفق بالحيوان وعند نهاية هذه السنة" 2011م" ستنتهي هذه الرياضة في هذا الاقليم نهائياً لتكون ثاني مقاطعات اسبانيا منعاً لها بعد جزر الكاناري
كما توجد "ولكن بدون إراقة دماء" في فرنسا والعديد من الدول التي استعمرت من البرتغال كسلطنة عمان وإمارة الفجيرة وغيرها فقد حظرت إحداها عام 2009م وهي عبارة عن مصارعة بين ثورين هائلين تنتهي بطرح ثور للآخر وقد بحثت كثيراً عن صور لتلك الرحلة دون جدوى
وهنا فيديو قصير لجولة من الجولات وهو آخر فيديو بتقرير اسبانيا لاته اثناء تصوير هذه المشاهد بالجوال احترقت شاشته ولعلها دفعة بلاء فحظور مثل هذه المصارعات شراً يجب تجنبه