إضافة رد
29 / 10 / 2008, 26 : 06 PM
رقم المشاركة :  31 
كـبـار شـخـصـيـات الـمـوقـع



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 12 / 01 / 2008
رقم العضوية : 968
الإقامة : قـــــطر
المشاركات : 5,331
التقارير : 4
الجنس : أنثى
الحالة : Najla غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

اقتباس:
إنني أحب أن أجلس لوحدي في ارض كمثل هذه الأرض أنيسي فيها صوت الشلالات … و خرير الأنهار … و زقزقة العصافير … تلامسني نفحات النسيم و تتحرك من حولي ورقات الأشجار…و يتلون الكون بأجواء مختلفة مشمس ممطر غائم مشرق مقمر مشع … أحب أشياء كثيرة مما تنتشر بالطبيعة…و لا تلومني و إن كنت غريب في طبعي لكن سعادة في رحلتي بهذا الشكل



اخي الفاضل نسيم نجد


قد يبلغ الصمت مبلغ أقصى من الكلام في الوصف ليختزن أعمق الصور المختزنه في طيات الذاكرة


ليذوب ما يذوب منه لاحقا في حرارة سرد الحديث حتى وإن كان مع النفس أو إلى النفس ....

أغبطك أخي الكريم لجلوسك وحدك بين أحضان الطبيعة فما مثل دفء أحضانها عشيقة تسرق لباب الروح

وتهيم بها في أفق الحياة الرحب ...


* *
7


هنيأ لنا هذا الشعاع الذي يغمر أفكارنا ضياء

لك تحياتي

^^

31 / 10 / 2008, 27 : 10 PM
رقم المشاركة :  32 
{ مـؤسـس }



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 24 / 06 / 2007
رقم العضوية : 22
الإقامة : السعودية
المشاركات : 3,253
التقارير : 15
الجنس : ذكر
الحالة : نسيم نجد غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

رحلتي عبر القطار المتسلق إلى أعلى قمة في أوربا جبال جينفرو (Jungfrau )

23 October, 2008 بواسطة : نسيم نجد
رحلتي عبر القطار المتسلق إلى أعلى قمة في أوربا جبال جينفرو (Jungfrau )


حق لأهالي أنترلاكن أن يفخروا بالجبل جينفرو … و حق لهم أن يضعوا رسمته على الميداليات التذكارية … و أن يحفروه على الألواح الخشبية … و أن يلتقطوا له الصور الفتوغرافية… فهو بكل شارع يوضع … و في كل محل يعرض … و في كل مكان ينصب… من زار إنترلاكن و لم يصعد الجبل فقد فاتت عليه فرصة التعرف على أشهر معالمها… فإن كانت البحيرتين أفضل مارُسم على الأرض… فالجبل و قمته أفضل ما عانق السماء في تلك البقاع…إن مكمن الإبداع في ذلك … أنها أعلى قمة جليدية في أوربا يصلها القطار الجبلي المتسلق …حيث تعانق عربات القطار الممتدة رأس ذلك الجبل ثم تقبله مع هامته و تعود …فهي عربات تتشبث بقضبان منصوبة في وسط نفق محفور يغوص بك في ظلمات ثلاث حتى يبلغ بك إلى ارتفاع تلك القمة و المقدرة بـ ( 3454م ) ..
بل لا تقل قمة واحدة… إنما هي قمم ممتدة مد النظر تكتسي بثوب البياض…فالثلاث قمم المشهورة هي : Monch - Eiger - Jungfrau و هي تظهر بشكل جلي من خلال الصورة السابقة و التي استقيتها من نشرة مأخوذة من مكتبة المطويات في الفندق .
و عندما تقرر الذهاب بمثل هذه الرحلة فأنت مخير هل تذهب من انترلاكن مباشرة و من المحطة الرئيسية و عبر توقفات عدة حتى تصل القمة…أو تختار الوصول بالسيارة لمدينة (LAUTERBRUNNEN ) وهي آخر مدينة تصلها السيارة ثم تتابع المسير للقمة عبر القطار العادي و تبدله من مدينة (KLEINE SCHEIDEGG ) و تستقل القطار الجبلي .


( و هذا خط سيري برحلتي حيث يمثل اللون الأزرق استخدام السيارة و الأحمر يمثل القطار العادي و الأخضر القطار المتسلق و هي خطة رحلتي )


أما رحلتي و التي بدأتها من مدينة إنترلاكن… فقد كانت عبر مراحل ثلاث… أولاً بسيارتي … ثم ركبت القطار المعروف… ثم بدلنا إلى القطار الجبلي المتسلق ..فإليكم إياها مفصلة ….
في صبح باكر من أيام الأميرة إنترلاكن…ركبت سيارتي ثم بحثت عن آخر المدن التي توصلني إلى آخر نقطة يمكن أن تصلها السيارة … فوجدت و بإرشاد من أخي أبو ريان أن مدينة (LAUTERBRUNNEN) هي آخر النقاط التي تصلها السيارة…و قد انطلقت من INTERLAKEN و مررت بسيارتي على المدن التالية WILDERSWIL- ZWEILUTSCHNEN – فكانت رحلة ماتعة استمتعت بها بجمال الطبيعة …



و ما يحتويه الطريق من القرى الصغيرة … و الأنهار الجارية و التي تعاكس سيرنا … فبينما نحن صاعدون للقمم فهي قد أتت للتو من الرؤوس الجليدية …تحمل رسالة العشق من أعالي جبال الألب لتلك الأرض…فلا يقف ذلك التراسل أبداً …


فمن كل قمة تذوب قطع من الثلج ناصعة البياض … فتتحول إلى مياه زرقاء عذبة صافية … تمر بأخاديد و خوانق …و تنزل من سفوح و تهبط عبر شلالات …و تعبر غابات و تخترق أراضي و مزارع …و تجاور طرق و قرى …و تصعد صخور و تعبر من تحت جسور…حتى تتلاقى مع بحيرتي الحب …بحيرتي إنترلاكن….فهناك تبلغ رسالة الحب من أعلى قمة في أوربا إلى أجمل بقعة في أوربا…واصلت المسير حتى وصلت إلى محطتي المقصودة : LAUTERBRUNNEN
…و توجهت إلى محطة القطار فركنت السيارة في مواقف السيارات الملاصقة للمحطة بمبلغ تدفعه بواسطة تذكرة تستلمها ثم تسددها عند عودتك بواسطة الأجهزة المخصصة ( لذا خذ التذكرة معك في روحتك حتى لا يضيع الوقت عليك بجلبها من السيارة ثم العودة بتسديدها ) و أسعارها بسيطة بالمقارنة بقربها من المحطة …



فطلبت من رجل يقف بين القطارات أن يدلني على القطار المنطلق للجبل ….فأخبرني أن هذا القطار ينطلق من هذه المحطة و يمر بالمدن التالية (WENGWALD – WENGEN – ALLMEND – WENGERNALP –و يتوقف بآخر محطة (KLEINE SCHEIDEGG) في رحلة الصعود عبر القطار جاورت أشخاص مختلفين و بطبائع متفاوتين…


ركب بجانبي على هذا القطار رجل و زوجته و طفلتهم … فكانت الطفلة تتأمل و عبر النافذة تنظر و بهدوء تتحرك..و كنت أتابع حركتها و يعجبني منظرها و هي ترسل نظراتها للطبيعة… فكنت ألحظ جميل البراءة في عينيها فتنعكس الطبيعة منهما …و تحرك النسمات شعرها الذهبي فتلمع مع أشعة الشمس خصلاتها فيسلب جميل بريقها القلوب و العقول…


لقد كانت فتاة صغيرة هادئة كهدوء الطبيعة هناك … جميلة كجمال الأرض هناك … صافية كصفاء السماء هناك … التفتت بخفة و نطقت بحروف لوالديها فكان نطقها تغريد البلابل و زقزقة العصافير …لقد وقعت عيناها على عيني فكانت لحظة جميلة… فكأني أبحث عن شيء لم أجده بكل العيون…و بعد لحظة هي بعمر الجمال كله صرفت نظري عنها إلى الطبيعة


… فكانت الطبيعة هناك تحاكي تلك الفتاة الصغيرة… فالأنهر و البحيرات هي من لون عينيها …و أشعة الشمس المتسللة عبر السحب هي رفرفة شعرها…و صفاء الكون يحكي براءتها …هل هناك أجمل من أن يجتمع جمال الطبيعة و جمال البراءة…. بينما أنا في هذا الجو الشاعري و خيالي سابح بنسج التشابه و الاختلاف و المقارنة بين الطبيعة و براءة الطفولة…


إذ مرت علي بصورة خاطفة رسمة ماعز أو عنز أو معيز فقطعت كل أفكاري فلم أجد أي توافق بين طبيعة الماعز و تلك الفتاة … فحاولت أن أطردها عن ساحتي …لكنها أبت …

و تسللت قريبة إلي لتنفذ إلى حلمي الجميل ( و الله النشبة ) …علمت أني بعالم الواقع …و أن الماعز هي كتبة النهاية لتلك الحكاية…سامحك الله ياماعز لماذا لم تتركيني أكمل تأملاتي و أستمر بأفكاري و أبقى مع أحلامي… و الغريب على ذكر الماعز أن الماعز في كل الأماكن في العالم لها نفس الطباع و الشقاوة و عدم مراعاة الآخرين…

فكأن هذه العنز لم تعيش بين تلك الطبيعة و تترعرع بين تلك لمروج…فلم تكسبها الزهور بألوانها أي نوع من الرقة أو اللطف…و لم تكسبها الأجواء و جمالها مظهراً حسناً في هندامها..فكل معيز العالم يحملن من الشقاوة مالا يُصبر عليها …

فستظل الماعز ماعزاً في أي مكان ربت و نشأت …ألا تعتقدون أن الموضوع جنح عن مساره الطبيعي… فصارت الرحلة أشجار و أنهار و معيز…

إذاً يحسن بنا أن نعود… و صلنا للمحطة المقصودة (KLEINE SCHEIDEGG) و هي المحطة التي يمكن أن تستقل بها القطار الجبلي…سلمت صاحب التذاكر مبلغ الرحلة وقدره 100 يورو و معها حزني على فراقها…وسلمني ورقة صغيره و معها ابتسامة مجانية…بعد هذه المحطة تغيرت الطبيعة عن سابقتها…و تبدلت فمن قبل كانت الأشجار و الغابات و الأنهار تملئ الأرض…الجبال و السحاب و الثلوج هي منظر السماء…

أما بعد هذه المحطة فبدأنا ننظر للجبال من تحتنا و قطع السحب منتثرة فوق المدن و لم يبقى من كل تلك المناظر إلا منظر الجبال العالية من جبال الألب و التي يبرق بياضها من بعيد…و من فوقها سحب داكنة تارة تعتليها و تارة تمر من وسطها و الشمس لحظات تظهر ثم تغيب عنها…

و الأرض كذلك تبدلت فلم فالأشجار انجلت و صارت الجبال مسطحات خضراء على مد البصر …

لا تحتوي سوى أعشاب مخضرة في ثناياها زهور و شجيرات مورقة…و من بينها يوجد ممرات للمشاة متعرجة تنحني و تنثني على حسب الطبيعة هناك…

فهي تمر من جانب مستنقع ماء أو تعبر من جانب حظائر الأبقار ..ثم تختفي تحت بعض الجبال و تعود مرة أخرى هذه الممرات…

و هذه الممرات يستخدمها الأوربيين بكثرة لممارسة رياضة المشي على القمم و روؤس الجبال…أو مايسمى TREKKING و هي رياضة جميلة تجعلك تعيش الطبيعة الحقة…

فترى بقع صغيرة في القاع هي مدن كبيرة على أرض الواقع…و تنظر لقمم بيضاء في الأعالي تجعلك تسارع الخطوات و تحثك على المزيد من الهمم لتصل إلى تلك القمم…

و تمر بين يديك سحب كثيفة تجعلك كأنك تسبح أو تحلم بعالم آخر…منظر هواة المشي جميل و رهيب…

فهم ببدلات ملونة على طرق ملتوية بين زهور و مروج مختلفة…قد علقوا حقائب الترحال على الظهور…. و قطفوا بأيديهم الزهور…

و بانت من على محياهم علامات السرور…بينهم الكبير و الصغير…الشباب و الشابات …فرادى و جماعات…تجد أغلبهم من كبار السن و معه شريكة العمر…فلا هو بعد هذا العمر فرط فيها و لا خانته آخر أيامه عن من كانت يوماً من الأيام مصدر لأسعد لحظاته…تجد بينهم الحديث المتصل… و التنافس على صعود القمم…و هم يتناظران كأنهما يصعدان أول درجات العمر….

و هناك و تحت شجرة شاب و فتاة…قد شربا من كأس الحياة…فحديثهم حب..و سمعهم حب…و نظراتهم حب…تجري من بين أيديهم السحب فتنمحهم أحلام جميلة صافية نقية…و الورود التي حولهم آمال وردية دافئة…و القمم التي تحيط بهم نظرة بيضاء مستقبليه مشرقة…يحدثها الشاب فتقبل عليه بسمعها و بصرها…و تحدثه فتاة أحلامه فيقع قلبه بين يديها…فسبحان الله العظيم…و إني لأعتقد أن الأرض هناك لتنمي الجمال و تضفي على النفس السرور الذي يزيد من بهاء الحب…لحظات من السير في هذا الطريق و بين تلك المناظر…

حتى انقطعت بنا السبل فقد دخلنا في نفق عظيم فكأنه أبتلع قاطرتنا …و ذلك بعد مدينة ( EIGERLETSTCHER )..فكل المسافة المقطوعة و لمدة طويلة هي عبر نفق تحت الأرض … و لا يوجد مخرج أو إطلالة على العالم الخارجي إلا في ثلاث استراحات…

يتوقف فيها القطار لمدة خمس دقائق بالضبط … ليطلع الزائر على الجبال المحيطة من خلال زجاج حاجز سميك … يجعل المرء يستمتع بالمنظر و يحميه الزجاج شر البرد الشديد …و قد جهزت تلك الاستراحات بدورات مياه مهيأة ومطلات للتصوير مناسبة ….أثناء هذه الرحلة يُعرض فلم وثائقي عن الجبل … فيه معلومات متكاملة عن أقسامه و كيف تم إنشاؤه…تجعلك تعيش تلك اللحظات بأدق تفاصيلها عبر الكلمة و الصورة…لكن كل تلك المحولات و الأفلام الوثائقية لا تجلب الأنس و السعادة …كلما تذكرت أننا أصبحنا من أهل الأرض …فكلما نظرت و إذ الدنيا من حولي سواد دامس…و إذ المناظر الجميلة تتحول إلى عالم بهيم غريب…كمثل من كان في سبات وينعم بأحلامه…. ثم استيقظ فوجد نفسه في ظلام الليل الحالك…

ولكن و إن غابت عني المناظر الجميلة…و أنا عاشقاً من عشاق الطبيعة … و ذلك العشق يصفو بالوحدة و يستلزم الخلوة…فإن لي عشقاً آخر يستحسن أن أعيش معه ظلمتي الحالية…فإني أعشق أن أعيش وسط أناس لا أعرفهم و أن أتصفح وجوههم … و أن أحاول أن أفك طلاسم تعابير و جوههم …و أعيش أجواءهم … و أعيش بين نظراتهم أتأمل تأملاتهم … و أسبر أغوار أسرارهم … و أسرح عبر أفكارهم…إنني أحب أن أعيش بين الناس و تصتك أكتافي بأكتافهم …. و أن أسير معهم في طرقاتهم و لمسافات بعيدة معهم…

أما إلا أين ؟ و لماذا ؟ فلا أعلم ….ولا أريد أن أعلم … بل ذلك لا يهمني… فقط أحب أن أكون جماعياً … و أحب أن تضرب أقدامي على الأرض فلا أسمع وقعهما بل أسمع وقع أقدام الآخرين …أحب أن أسمع ضجيجهم و هم يتحدثون… أبتسم عندما يضحكون… أتعجب عندما يندهشون …. عندما أجلس على كرسي تحت شجرة أو مضلة أو مُطل على بحيرة و أتأمل المارة… هذا ضاحك مستبشر و آخر حزين منكسر …هذا بين يديه فتاته و ذاك يندب حظه الذي فاته…و هذا يحمل بين يديه كتاب وذاك يحاكي أحب الأحباب… فعندها تنزل الفرحة و السرور في قلبي…أحب أن تتقاطع أمام عيني أجسام البشر و تختلط أقدام السائرين في اتجاهات مختلفة و أن أعيش بين ركام من البشرية …في ناظري أمواجهم و في سمعي هديرهم …في مثل هذه الأماكن أجد نفسي… إن من يتأمل الناس …و يستطيع أن يقرأ وجوههم …و يتابع تحركاتهم …و يفهم تصرفاتهم ….و يعيش أخلاقهم و طرق تعاملهم مع بعض فهو في سياحة أخرى …و لعل من الأماكن التي توفر لي هذا الجو المناسب … هي القطارات بصوتها و ضجيجها و زحمتها و أصوات الناس فيها…

أستند على كرسي مطل على النافذة … و أختار زاوية تكشف كل محيط العربة …ثم أتأمل الحياة و الناس…لذا في رحلتي هذه كانت حياة القطار جميلة …فقد تنوعت المحطات و تبدلت القطارات و كثرت الوجوه و اختلفت الجنسيات و تعددت القراءات بتعدد التصرفات…فهنا فبعد أن أظلمت الدنيا من حولي في وسط هذا النفق…حاولت أن أدير بصري لأبحث عمن أبدأ معه حكايتي…نعم…هاهي تلك العجوز القاعدة على كرسي بعيد أجدها قد شدت بصري و فكري بتصرفاتها…فقد ركبت معنا في نفس هذه القاطرة هذه العجوز العقيم و ومعها طفل صغير هو أقرب للتبني من الولادة و كهل بجر خطاه بصمت غريب…جلس الكهل و أخذ يرفع عينيه و يدور حول الحضور… ثم مال رأسه على جنبه و أخذ بالشخير…و أما العجوز فقد أخرجت من حقيبتها كاميرا كبيرة أكبر من كاميرة أخي كابيان و بكثير …ثم علقت في عينها عدسات عديدة واحدة تلوا الأخرى حتى أصبحت طويلة …نهضت و أمام النافذة تسمرت …و أخذت تلتقط كل لحظة لقطة…و لقطاتها غريبة لا تمت إلى الطبيعة بصله…

و زوجها الكهل يتابع الموقف من بعيد عبر عينين شبه مغلقتين و بصوت يبثه عبر شفتيه المطبقتين فينتزع الحروف من خلاله انتزاعاً و بلهجة مدغمة …و زوجته لا ترد عليه بأي كلمة… أما الطفل فبيده لعبته و يقلبها و ينظر إليها و الأب و الأم في شغل عنه…و لم تجلس أو يهدأ لها بال إلا عندما دخلنا في النفق المظلم…
أما التناقض بين الشعوب و الاختلاف العجيب فهو ما رأيته من تلك الفتيات … فقد جلست أمامي في القطار الصاعد ثلاث فتيات من اليابان… فكن كعادة الشرق أسيويات قمة في الأدب…كعصافير في قفص لا تسمع لهم إلا زقزقة و لحن شدي…فتسمع تشنق ينج شي ثم ههه و ههه و ههه ثم تشك تشك تشك…( الترجمة تشنق ينج شي = كلمات يابانية لا أعلمها…ثم ههه و ههه و ههه قهقهات بصوت عذب خفيف خفي…أما تشك تشك فهي أصوات الكاميرات و هي تلتقط و بكثرة صور بأشكال متعددة )…. هذا حالهم …و أما حال شعب قريب منهم…فهو أغرب فلا أعلم كيف نبتت تلك الآداب بالشعب الياباني و زالت من هذا الشعب الثاني وهو الشعب الهندي والذي سوف أقص عليكم نبأه بعد حين ….. لعلي أعود إلى رحلتي واستكمل قصة الهنود في حينها في قطار العودة…وصلنا إلى نقطة النهاية و الأخيرة…


وهي جبال Jungfrau …فنزلنا من القاطرة….فوجدنا عالم غريب عجيب…فهي جبال شاهقة …تحتوي ببطنها ممرات متعددة متنوعة … يكاد الرجل الحاذق اللبيب أن يتوه في سراديبها الناعمة البيضاء الصافية…

فيخيل إليك كأنك تعيش بوسط زجاجة شفافة… أو بجوف لؤلؤة نقية…أو بوسط قطرة ندية…الجدران و الأسقف و الأرض بنفس اللون و النعومة…و الجو بداخلها شديد البرودة…

منها ماتصعد إليه بسلالم … ومنها ما تصله المصاعد … أو تهبط إليه عبر أنفاق متعددة تسبح فيها بعالم أرضي جبلي عجيب …

أخذت بالمسير…و الجبال البيضاء تغطي المحيط…أنظر إلى خطاي لعلي لا أخطئ الطريق…أو أتعثر في مزالق الأرض… فهناك الكل يلبس الجزم المخصصة للثلوج…إلى ذلك الشاب العربي…و الذي بدأ كأنه كهل كبير يتمسك بالمقابض الخشبية المثبتة على الجدران الثلجية…عيني على طريقي و عيني الأخرى على الناس لعلها لا ترسل منهم نظرات السخرية أو نظرات العطف أو نظرات الرحمة…فكل نظرة هي جديرة بأن تبعثر خطواتي و تجعل أقدامي بمكان هامتي…

بيدي أمسك المقبض و بالأخرى كامرتي و أختلس الفرص لأسجل لقطة من هذا العالم الأرض المخيف…و الذي زاده هيبة و وحشة هي تلك التماثيل الجليدية و التي ركنت في أحد السراديب…

أسير الهوينة كطفل بدأ يخطو خطواته الأولى في الحياة… فلمحت فجأة شيئاً يجذبني إليه و بقوة…نظرت و تأملت …ثم نظرت و تفكرت …ثم نظرت و اقتربت…هل حقاً ما أرى أم أن خوفي صور لي هذا المنظر… دققت النظر فوجدت منظر الأنس و الفرح …. و التي سرتني فكأني قابلت أهلي و خلاني…فهل تعلمون من قابلت …فإليكم الصورة…

إنها كتابة محفورة على القضبان الخشبي في سراديب قمم أوربا…لا أخفيكم أنني سعدت بها و لا أعلم لماذا ؟… فاليوم إذ يتزين تقريرنا بهذه الصورة… فإني قول لهما بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما بخير…و أقول لأمل كوني له كل الأمل…و أقول لسلطان أسعدك الله بها في الدنيا و جمعك الله بها و أسكنكم ذوتا أفنان ….و نقول لكم إن كنتم ممن عَبَر هذه الصفحات أو مر على مرشدنا العربي ( العرب المسافرون ) فهل سطرتم ذكريات حياتكم الأولى في هذا المنتدى ..فهي نعم الذكرى …و لكم أن تستمتعوا بها كل حين لتنعموا بجميل الذكريات و تسعدوا بتذكر تلك اللحظات … أو تكون ذكرى جميلة لكم و لأبنائكم في المستقبل ….أو رحلة عسل مجانية في كل حين…مجرد مقترح لكل إنسان…أعود لموضوعنا … تدرجت في المسير … فوجدت في ناحية من قممه أعلى مكان للتسوق في أوربا … و يحتوي خرائط تفصيلية لتكل المنطقة و المناطق السياحية في إنترلاكن و سويسرا بشكل عام…و يحتوي على نماذج تذكارية للجبل و المدينة و بعض ماتشتهر به البلاد …و في زاوية قصية من طرف تلك القمة … و عبر الدهاليز الممتدة في جوف لأرض تقودك الأسهم عبر تلك الممرات إلى مطعم الخدمة الذاتية للوجبات الخفيفة… أو لك أن تختار الراحة و الوجبات المختلفة عبر مطعم كبير تقدم فيه أنواع و أصناف المأكولات الشهية …أما أنا فقد اخترت الوجبات السريعة … فنظرت للأصناف و لم أجد ما يروق لمزاجي أو ينعش شهيتي…و كانت أمامي فتيات من خليجنا … فقلت في نفسي سوف أختار مايختارون و آكل مما يأكلون … فالسيدات أعلم منا بالأفضل من لمأكولات…فوجدتهم يختارون رزاً أبيض فوقه قطعة من لحم الضأن ( يظهر أنه لحم ضأن…و متأكد أنها ليست قطعة من قويصرة الحاشي )

فحدثتني نفسي هل من المعقول أن آكل فوق أعلى قمة في أوربا و بجانب جبال تلبس الحلة البيضاء رزاً أبيض …أجابت نفسي على نفسي و بدون تردد.. بلا ثم لأ …ثم أتبعت أنه يجب التنويع و التغيير عن الروتين المعتاد…. فمثل هذه الوجبة من الممكن أن نجدها في مطعم المائدة البخاري في أحد شوارع الرياض…و حدثتني نفسي مايقول الناس عني…فكيف لو علم بذلك خبير المطاعم الراقية أخي العزيز الشاب … لكانت كارثة و مستمسك على من هم من أمثالنا…فقررت أن لا اختار الرز بأي شكل من الأشكال …

فلم أجد مايناسبي إلا قطعة سندوتش بالجبن تجعلك تتذوق الاجبان السويسرية … و مشروب غازي ينزل بالجسم البرد ليتأقلم خارج الجسم مع داخله… و قطعة من اكيك تعمل على تهضيم الوجبة الدسمة الغنية بمادة الجبنيك …و ماهي إلا لحظات حتى قضيت على الوجبة ..فلست من هواة الإطالة الجلوس على الطعام …

بل لم آتي هنا للأكل … فلقد تركنا الأهل و الزوجات و الأبناء من أجل شيء أعظم و أجل … فلقد تركناهم حتى نستمتع برؤية الطبيعة و إمتاع النفس و جلي الهم…نعود لحديثنا ….

و من بعد الوجبة لك أن تتجول على ركن في أحد الزوايا يظم متحف جليدي فيه بعض المنحوتات ….

و معرض لبعض الأدوات والملبوسات التي استخدمت في حفر تلك الأنفاق و كيفية إنشاؤها و خطوات و مراحل البناء …

و لقد أستمر العمل بهذا المشروع العملاق عدة سنوات بعدد كبير من العمال…
نظرت من أحد المنافذ فوجدت البرد شديد…و اكتفيت بتواجدي من خلف الزجاج …فقد كان يوماً شديد البرودة ….


ارتجفت منه فرائصي من منظره فكيف لو وطأت قدماي بياض ثلجه…فمن كان يريد الوصول لتلك القمم فعليكم الاحتماء بالملابس الشتوية…و تتبع درجات الحرارة قبل أن تصعدوا تلك الجبال …و من كان يشكو من الضغط فعليه الاحتراس ففارق الضغط الجوي قد يكون له أثر على مرضى الضغط…فقد عدنا من تلك الجبال و جميع الركاب كأنهم بحالة إغماء من التعب و الأعياء… و كنت أنظر إلى القطارات الهابطة أثناء صعودنا و استغرب أنهم جميعاً نائمون…فعندما هبطنا و حانت ساعة الصفر لدينا عرفت السبب …فقررت أن أنام من الإعياء و التعب و تغير الطقس و الضغط …و لكن كانت عائلة هندية أو قل مجموعة سياحية لنا و لجميع الركاب بالمرصاد ….فقد جلست بموقع لا أحسد عليه فقد كان كرسيي بوسط مجموعة منهم هم و أطفالهم و نسائهم…و يبدو أنهم من عائلة واحدة…و برزت من بينهم سيدة بالثلاثينات من عمرها… برزت بصوتها الجهوري الذي يصل إلى مسمعك ككتلة واحدة …فكانت هذه السيدة تلعب مع هؤلاء الأطفال لعبة الحروف تنادي من يأتي كلمة تبدأ بحرف ( p ) ثم يتسابقون بقذف الكلمات منها مايبدأ بحرف ( p ) أو حرف ( b ) فهذا صحيح و ذاك خاطئ هذا يصيح و ذاك ينوح …. و يتحمسون حتى يصل صياحهم أنحاء الكبينة فتنقلب كروضة أطفال…( بيني و بينكم كنت أجهز الكلمة و أخفيها بصدري )…أما الأعجب فهو ذلك الرجل الهندي الذي أعياه التعب و هد حيله صعود الجبل … فاختار أن يرمى بجسمه المنهك على المقاعد فلم تكفه المقاعد في الجانب الأيسر …لذا أضطر أن يمد أرجله على الكراسي المقابلة… و صارت أرجلة كسياج حاجز في الممر بين صفوف الكراسي…فمن أراد أن يمر فعليه أن يقفز هذا الحاجز…و لعل هذا المنظر و هذه الأصوات لم ترق لي و لم تعجبني… و لم أستحمل نظرات من هم في القطار و يعتبرونني من ضمن هؤلاء السياح الهنود المزعجين…فانتقلت للجهة الثانية من القاطرة…فكنت ألمح على وجوه الركاب آثار تلك الأصوات و التصرفات المزعجة من الهنود…و أعيُن العتب و نظرات اللوم تتابع كسهام على شخصي الضعيف… لم يكن هناك فكاك من هذه النظرات إلا بأن أسايرهم و أغير من تعابير وجهي مع كل تصرف أهوج من الهنود …ليفهم من حولي أنني لست منهم أو أن تلك السيدة التي تصرخ كمذياع لست أعرفها … و لا يجمعني بها قرابة أو نسب أو جنسية أو أرض.. لقد كنت أتمنى أن أرفع لافتة تنبه في القطار أنني لست من هؤلاء المزعجين … وأكتب عليها و إن كنت من العالم النامي الثالث و من تلك القارة لكن… أنني لست بهندي و إن تشابهت التقاسيم و تقاطعت بعض السحنات مع تلك الوجوه … و إن أردتم أن أحلف بالأيمان المغلظة لحلفت…لكن قطع علي حبل أفكاري كابح القطار و الذي يلزمنا بالتغيير أو النزول في بلدة…

خرجت من القاطرة و الألوان و الأصوات و قد أختلت و اختلفت وتبدلت في رأسي …فشممت بكل قوة هواءً نقياً فحسبت أنني سحبت كل مافي الكون من الهواء حتى عادت جميع الألوان لوضعها الطبيعي…تجولت ببصري على من حولي و نظرت معتبراً بالقرى التي تحتضنها الجبال …فمما يميز تلك المحطات التي في أعالي الجبال أنها محطات مفتوحة تجعلك بين الطبيعة مباشرة…

فالأغنام قريبة و صوت الأجراس تقرع إيقاعات الطبيعة…فبين الجرس و الثغاء تناغم و لحن ينافس أحلى المعزوفات…و من بين الأشجار الخضراء يخرج قطار أحمر فكأنه يولد من رحم الغابات…

و الأرض تغطيها الأعشاب الصغيرة و التي تنبت بالزهور الجميلة ….و قطرات المطر تنزل بتنوع عجيب رذاذ بسيط أو هطول شديد أو فقط سحاب لطيف رقيق…

نهرب منها مرات أو نحتمي بحمى المظلات أو ننتعش ببعض القطرات…سبحان من خلق…

و المباني المرصوصة بألوان فاقعة تجعلها كزهور يانعة..كوخ أحمر… أو مبنى اصفر … أو بيت وردي فلا تعلم هل من المعقول أن تحولت تلك المباني كالزهور…
يقرع جرس القطار المغادر من البلدة فيرجع صداه بين الجبال…و أتعلق به قبل أن يفلت مني…و يتعلق قلبي بكم حتى أعود إليكم مرة أخرى و حلقة جديدة بإذن الله تعالى…
و لكم تحياتي …نسيم نجد
01 / 11 / 2008, 37 : 10 AM
رقم المشاركة :  33 
كـبـار شـخـصـيـات الـمـوقـع



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 12 / 05 / 2008
رقم العضوية : 1498
الإقامة : مدينة الكويت
المشاركات : 1,906
التقارير : 6
الجنس : أنثى
الحالة : زعطوطه غير متواجد حالياً
خجول نسيم نجد ،، ما هذا الجمال ؟!




نسيم نجد ما هذا الجمال ؟!

تقرير جميل لأبعد من أبعد حد .

إستمتهت بما قرأت و لي عودة بإذن الله في تكملة

كل ما صورت و سطرت و أبدعت في هذا التقرير

جزاك الله خير




01 / 11 / 2008, 15 : 11 AM
رقم المشاركة :  34 
كـبـار شـخـصـيـات الـمـوقـع



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 30 / 06 / 2007
رقم العضوية : 139
الإقامة : الامارات
المشاركات : 2,022
التقارير : 7
الجنس : ذكر
الحالة : الرحال غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

شو هالموضوع الرائع

ابدعت سلمت يمناك على ما خطت

انا بعد قراءة موضوعك, اتنحى

........لان مالى خص فى السرد ولا في الأسلوب:110:
13 / 02 / 2009, 02 : 02 PM
رقم المشاركة :  35 
{ مـؤسـس }



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 24 / 06 / 2007
رقم العضوية : 22
الإقامة : السعودية
المشاركات : 3,253
التقارير : 15
الجنس : ذكر
الحالة : نسيم نجد غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

لوسيرن – لوزيرن - Lucerne -Luzern 1

23 يناير, 2009 بواسطة : نسيم نجد
لوسيرن – لوزيرن - Lucerne-Luzern
تابعت طريقي بعد أن استمتعت بتلك القرى الصغيرة و التي سكنت بين إنترلاكن و لوزيرن…فعندما تمسك مقود السيارة هناك… فتأكد أن المتعة قد حضرت…و ذلك لأن الطرق السويسرية هي من أفضل الطرق في أوربا…وليس جمالها فقط بما تحتويه الطبيعة من حولها…بل لوضوح إشاراتها …
و تتعدد اللوحات الإرشادية التي تصطف في عرض طرقاتها …فتمسكك من يدك …و توصلك لمقصدك …وبدون أن تستعين بأجهزة الملاحة الحديثة…
حيث تُوضح المدن على أطراف الطرق…وترشدك إلى العواصم البعيدة و المدن القريبة…و تجزأ لك أي مدينة أجزاء صغيرة تجعلها للفهم سهلة و يسيرة…
مررت بمدن و قرى عدة ( Sarnen–Diesselbach – Obsee ) قبل الوصول إلى مدينة لوزيرن … و التي أتيت إليها من أجل أشياء محددة …
فكان باستقبالي جمع من الزهور السويسرية … و التي تلونت بألوان عدة …وبدت بأجمل حلة…
ليست الزهور فقط هي التي كانت في استقبالي…بل حتى جمع من البط الذي أخذ يروح و يغدو…و يقترب ويبتعد…ينظر إلي بنظرات ثم يتأمل … و يفكر ويتفكر.. و أحس أنه يقول بنفسه: مالذي أتى بهذا الغريب…فلا هو من أرضنا و لا عرقه يصب في عرقنا…
لم أجزع من قوله بل استمتعت بمنظره…ثم أزحت نظري عنه…فهكذا الغرباء الكل ينظر إليهم نظرات استغراب…و إن حسُنت فهي نظرة إشفاق …خرج البط من البحيرة…فكأنه أحس بمشاعر الغضب التي اكتنفتني من نظراته…و بما سببته نظراته هو و نظرات أصحاب الأرض وما أثرت به على هذا الغريب المسكين في تلك المدينة…و لاأملك أمام تلك النظرات سوى الاستسلام…فأنما أنا ضعيف بوحدتي…فكيف عندما أعيش في أرض غربة …و تحيط بي من كل مكان العيون التي ترقبني …حتى أن المباني الشاهقة ….والجسور الممتدة…وكل شيء بالمدن الكبيرة …لتدخل الشك إلى نفس الغريب ممن هم من أمثالي بنظراتها المتتابعة…وتشعره بأنها تنظر إليه …بل و أنها تتابع خطواته في كل زمان ومكان…وذلك بعكس القرى التي في الريف…حيث ان الطبيعة و الزهور لكأنها تحتضن الغريب…و تمده بالراحة والطمأنينة والأمان…لذلك…أسعد هناك..و يزول قلقي …و تنفتح نفسيتي…فأنا أحس أنني بين من يعرفني ..
البحر و السفينة …منظر يبحث بالنفس الأشجان والأحزان…لقد تمنيت أن تُقلني هذه السفينة إلى أرضي و التي أحس ببُعدها الشديد عني…فبُعدها لا يقاس بالمسافات أو بالمدة الزمنية التي تفصلني عن أهلي و بلدي…بل مقياسها بمقدار ما أجده من الشوق في قلبي…ومقدار ماحرمت من نظرات أمي…و بالقدر الذي اشتقت فيه إلى تقلب طفلتي بحجري…وبالقدر الذي أفقد فيه سكني ومودتي وزوجتي…هذا البعد من الصعب أن تقيسه بزمان أو بمسافات…فهذه الأيام التي قضيتها بعيداً عنهم…أعتبرها أيام قد سقطت من رزنامة حياتي…فلن أستطيع أن أستعيدها مهما يكن…ولن تعادلها أي سعادة في هذا الكون…فإن كانت هذه الطيور تهاجر…وهذا السفينة تبحر…فإن قلبي تحت هذه الشجرة يستظل…ويندب حظه الذي جعله يبتعد عن الأهل كل هذه الفترة…لماذا تحركت المشاعر ؟ …لا أعلم فهل أنا استيقظت بعد سبات..أم أن مشاعر الوداع التي رسمتها على صفيحة إنترلاكن حركت في نفسي كل مشاعر الوداع التي يختزنها صدري …فكانت صفحات أهلي ووطني من ضمن تلك الصفحات التي قلبتها رياح الغربة و الوداع…..
ابتعدت عن البحيرة …و الطيور المهاجرة… و السفينة المبحرة …وكل ما يذكرني بالغربة… ويحرك في صدري الحرقة…فأخذت أتجول في حديقة غناء…مترامية الأطراف…يصحبني في سيري…قطرات المطر …فهي الوحيدة التي تعرفني و أعرفها …و هي الوحيدة التي تواسيني…فكم نزلت على وجهي لتمسح أحزاني…و لتغسل همومي…و كم اختلطت مع قطرات تسللت من عيوني… فأختلط ماء العين المالح اللاذع مع قطراتها العذبة …فأزالت كل مكامن الحزن في نفسي… و هناك صديق آخر أسر برؤيته…و هو جمع من الزهور في زوايا عدة في أركان تلك الحديقة… تشاهدني من بعيد …فترسل رحيقها لتدخل في صدري السرور… أثناء سيري في ممرات هذه الحديقة أمر من بين الطيور فتتطاير… و أقبل على البط فإلى البحيرة تهرب…لكم العذر …فالغرباء دائماً في محل الخوف…وهم محل التهمة…رغم أنهم هم أكثر الناس خوفاً…و أكثرهم حاجة للأمن…
لقد دخلت المدينة…في وقت مبكر…وكانت خالية إلا من بعض الرسومات…والتي رسمت لأشخاص مختلفين لأهداف متنوعة في شوارع تلك المدينة…فكانوا باستقبالي…فسرتني صورتهم المعبرة…رغم أنهم أكثر الناس جموداً بالمشاعر…فكان تحيتهم تؤنسني…برغم أن نظراتهم صدرت من عين لا تعرفني…و من قلب لا ينبض لي أو لغيري…ولكن هل هناك أفضل من الابتسامة …فهي كماء عذب يصب في القلب….أو ينابيع تُفجر أنهار السعادة في الحياة…
حتى و لو كانت من إنسان قد جمدت حواسه…أومن تمثال قد أتقنت ابتسامته…إن الغريب يأنس بكل من ينظر إليه متودداً …ولو كانت نظراته مصطنعة…أو هي مصروفة إليه و إلى غيره…نظرت إلى هذا الذي نظر إلي و أخذ يلوح بيديه…فأرسلت إليه نظرات و أنا مسرور…وتبسمت بابتسامة واسعة ..فكأنني أجد إنسان عزيزاً أفتقده …نعم إنني أفتقد الابتسامة الصافية…النقية …الخالية من المجاملة …أو التي تقدم عن تقديم خدمة …أو ترسل عند إجابة على استفسار معين…و دعت ذلك التمثال المرح….و أبطنت له المحبة…فكم أدخلت السرور إلى قلبي ياتمثال…أضحك الله أنفك
لكن فرحتي لم تكتمل….فقد مررت من جانب تمثال آخر…فكان فيه من الكبر مافيه…و من الأعراض الشيء الكثير…فقد رفع رأسه معرضاً عني…فما ذنبي…لقد كنت أعتقد أن مثل هؤلاء التماثيل لا يفرقون بين الغرباء و أهل البلد…ولكن أخطأ اعتقدي …حتى التماثيل قد علمت أني غريب…فأعرضت بوجهها عني…و انقلبت باتسامتها عن وجهي….وكل ذلك لأني غريب…آه…ما أقسى الغربة…و ما أقسى النظرات التي ترسل إلى الغرباء..أو ما أشد حساسية الغرباء من مشاعر الآخرين…( روح منك لله …أنت وأنفك الطويل الذي يكاد أن يعلق بملابس المارة من السياح )
تأخذني قدماي في أزقة المدينة…و على طرقاتها المرصوفة بالحجارة…فتظهر مشيتي متعرجة…فأنزل من مرتفع عبر درجات ممتدة……وأمر من جانب قصور و دور فارهة…
قرع نعالي لا يهدأ…و خطواتي تنقلني إلى جسر ممتد طويل…أعبر فيه نهر جاري…قد زخرف بحواجز حديدية جميلة…و علقت بأطرافه فوانيس إضاءة طويلة…و على أرضية الجسر تنعكس صور المارة…وذلك بأثر قطرات المطر الهاطلة…
قدماي لا تتعبان من المسير..فوقتي محدود…و أهدافي محددة بدقة…الجمال استضفته في صدري…وفي أوقات خلوتي سوف أستمتع به…و الصور التي أختزنها في قلبي…سوف أستعملها عندما أقلب صفحات حياتي…
تبرز لي المباني الحديثة في أجزاء من تلك المدينة…ولكن ليست هي بغيتي…ولم تكن من ضمن برنامجي…فالحضارات الخراسانية لا تقدم و لا تؤخر عندي…فزهرة في طبيعة…أو واحة في صحراء قاحلة…أو منظر جميل من زمن غابر أهم ومقدم على كل السياحة الخراسانية الحديثة ..
مررت بجانب دراجات هوائية مصفوفة وبكثرة…فشحذتني قدماي أن استخدمها…و شحذتني همتي أن لا أركن لأتعاب أقدامي…أو أنزل إلى طلباتها…فالسفر هو مكان اكتشاف الهمم…و محل اختبار الصبر…استمعت لصوت همتي….فتجاوزت اختبار الدراجات بنجاح…و خاب أمل الأقدام بأن ترتاح…
مررت بجانب النهر العظيم…وهو يدفع الماء خلاله بقوة…فقد نزل من منازل بعيدة…فصوته أصبح ينادي و يصيح بالسياح أنني متواجد…و هل من مستمتع بهذا الجمال….
من على جسر ممتد من على النهر…نظرت من أحد أطرافه إلى معلم قد كان في قائمة المزارات التي في خارطتي السياحية…فهل حقاً هذا هو الهدف الأول أصله…و هل حقاً هذا الذي كان مكان حديث الزوار من الأعضاء…
لا أصدق…فأردت أن أتمعن…و أن أقترب…لعلي أصدق…أو تتضح الصورة أكثر…اقتربت فنظرت من خلال الحاجز الحديدي المزخرف…فأصبحت و كأني أسجن من خلف قضبان عن أمل من الآمال…أو أنني أحجز عن شيء يريد قلبي أن يصله و أن يستطلعه…
فلم تقف آمالي مع تلك الوساوس..بل تابعت لكي تعبر إليه آمالي…و تصله…فبدأت صورته تزهر…وبدأت ملامحه تتزين….وبدأ منظره يكمل…
اقتربت من الجسر الخشبي….و برجه الشهير….اقتربت منه وبان بشكله الذي يمتد بوسط النهر…فليس هو يمتد بشكل عادي مثله مثل الجسور الأخرى…بل أخذى منحني و بشكل كأنه يسير مع مجرى النهر…
عندما مدخله تجمع السياح من كل مكان…و اخذ الكل منهم يلتقط الصور التذكارية مع ذلك الجسر..فكأنهم وجدوه بمشقة …مثلما أنا وجدته بعد عناء طويل…وكثرة مسير…
دخلته من الجهة التي تقابل جهة البرج الثماني…فدخلت مدخله الخشبي المزين بالزهور…
فماهذا الجسر ؟ و ما قصته..فإليكم قصته مقتبسه من موضوع أختنا الفاضلة الغائبة الحاضرة / فتاة عربية… و سوف تجدون رابطه في أسفل الموضوع …و مكانته في أعلى قلوبنا… …تقول عنه (الجسر الخشبي Kapellbruecke : و يسمى بجسر الكنيسة تيمناً بكنيسة السانت بيتر القريبة و هي أهم و أجمل الجسور السويسرية, بنيت منذ قرون طويلة في القرن الرابع عشرة, و قد أحرقت أجزاء منها في أعمال ثورة أو شغب, لكن تم إعادة ترميمها لاحقاً و يمكنك تمييز الجزء القديم من الجسر بسهولة ( لون الخشب أغمق بكثير). و يقسم هذا الجسر الممتد على نهر Reuss المدينة إلى جزئين, المدينة الحديثة و في الجهة المقابلة المدينة القديمة . إذا نظرت للأعلى (لسقف الجسر), ستجد رسوم لقسيسين و رجال أثروا التاريخ السويسري ( أحد الرسوم كانت لوليم تل) و رسوم للوسيرن القديمة, و توجد كتابات تعلق على تلك الرسوم و لا أدري إن كانت آيات من الإنجيل أم لا, و قد نقشت في القرن السابع عشر, فكأن هذا الجسر متحف تاريخي في الهواء الطلق. ) انتهى كلام الرحالة العربية فتاة عربية..
هذا الجسر …هو لوحة خشبية جميلة…علقت على أطرافه الزهور… وحلقت من حوله الطيور …و زين سقفه بالقريمد الأحمر…فغدا كأجمل جسر…
أما من الداخل..فأعمدة مصطفة بشكل مميز…و من فوقها خيمة خشبية…و على أطرافه حواجز ناعمة…قد كتبت في بعض أجزاءها و عبر أنامل ناعمة ذكريات لفتيان وفتيات عربيات قد مروا عليه…فمنهم من سجل أيام شهر عسله…ومنهم من كتب أيام عمره…و منهم من كتب فريقه المفضل …
وأخشاب السقف و الأرضية و الأعمدة و الحواجز قد دهنت بدهان مضاد للرطوبة رائع….و للكتابات المتجددة مزيلة….
و قصت أطراف سقفه الخشبي بشكل مثلثات…فصارت كتحفة فنية جميلة تستطيع أن ترى معها المدينة كلوحة رائعة جميلة يحيط بها برواز خشبي منحوت فيه زخارف فريدة …
أما إذا نظرت إليه مع الجنب…فأنت ترى العجب…فالحسن قد أجتمع…طيور النورس في هدوء تسكن…وزهور تنتشر و لمن حولها تنعش و تبتسم…
و ألوان تزهو …و تتنوع …و تتشكل …وترسم في كل اتجاه لوحة الجمال و الحسن…
الناس عبر هذا الجسر يتجولون…فهم يغدون و يروحون…وكل همهم أن يلتقطوا الصور…فيشكلون منها و ينوعون…
فهذا يصور الجسر…وذاك يصور البرج…وآخر يصور ما عُلق من الزهر…ومجموعة يصورون فرادات…ثم يتجمعون ويصورون بشكل مجموعات…
و منهم من تجده قد اتكأ على أحد الأعمدة الخشبية…فأخذ يتأمل ماحوله من المناظر..فتارة ينزل رأسه فينظر إلى النهر الصافي و يستمتع بصوت جريانه…و تارة ينظر إلى السماء و كيف السحب تتشكل في سقفها فتتجمع ثم تفترق…فتارة تبرق و تارة ترعد…و تارة تتلون بالبياض و مرة أخرى بالسواد… تارة تهب منها النسمات و تارة تنبعث منها رياح عاتيات..و ينزل بنظره إلى ما بين السماء و الأرض …طيور تحلق…وطائرات تحوم …و شمس تظهر و أشعة تزور ثم تغيب…و ليل يقبل ونهار يدبر…
ثم يأخذه تأمله بعيداً …حيث المباني المصطفة على الجانب الآخر للنهر…حيث تشكلت مجموعة من المباني منه القديمة و الحديثة…فالقديمة تحاول أن تتماسك أمام المد الحضاري الحديث…وتحاول أن تصمد أمام التصاميم الجديدة…
و تختلف و تتنوع المباني…ولكلٍ عشاقه…و لكلٍ زواره…و لكن يبقى للمباني التاريخية أثرها الجميل…و رحلة للنفس معها تطول…و مكان للتأمل خصب ينموا فيه و عبره حس جديد…
عندما تقف متأملاً عبر ذلك الجسر…تمتزج لديك الصور…القصور…والأبراج…و الزهور…والأنهار…
إن الجمال في كل مكان من حولك …إن أبعدت النظر فهناك منه الكثير…و إن اقتربت فلديك أكثر…
فهذا البرج الثماني يستقر في وسط النهر…و على أطرافه تداعبه الأمواج القادمة بقوة…فهي تطوف حوله…ثم تقبله …و تبتعد عنه مجبرة…حتى تحين أمواج أخرى….و قبلات أخرى…وأزمنة أخرى…
ولعل القارئ يتساءل عن هذا البرج…و تشتاق نفسه لمعرفة تاريخه…فإليكم قصة هذا البرج…عبر كلمات كتبتها أختنا الفاضلة / فتاة عربية عبر موضوع عن سويسرا باسم رحلة فتاة عربية…
تقول فتاة عربية ( برج المياه (المثمن الشكل): وهو البرج الملاصق للجسر الخشبي, و رمز مدينة لوسيرن, فعادةً ما تكون جزءاً من الصور الموجودة على البطاقات التذكارية في المحلات. بنيت في أوائل القرن الرابع عشرة, حيث كانت مقراً للسجن و التعذيب. )
و يتصل البرج…بالجسر الخشبي…حتى تكون منهم منظر بهي…يجذب الناظر من بعيد إليهما…و يسبح القريب في التأمل بهما…
خرجت من الجسر لأطوف في أجزاء المدينة…و لأستمتع ببقية معالمها…ودعت الجسر …و الزهر …و الطير…و النهر …و سحت مع السياح…فابتعدت قليلاً …قليلاً…حتى صارا من الذكريات…
يتبع….
13 / 02 / 2009, 35 : 02 PM
رقم المشاركة :  36 
{ مـؤسـس }



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 23 / 06 / 2007
رقم العضوية : 7
الإقامة : "" U A E ""
المشاركات : 5,249
التقارير : 7
الجنس : ذكر
الحالة : رحال الإمارات غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

تقرير قمه في الجمال

قد يكون اجمل من سويسرا نفسها ...

شوقتنا لسويسرا وجمالها

الله يعطيك العافيه

تابع احنا معاك
17 / 02 / 2009, 07 : 09 AM
رقم المشاركة :  37 
][::.. مسافر جديد ..::][



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 17 / 02 / 2009
رقم العضوية : 6327
الإقامة : الامارات العربيه المتحده
المشاركات : 1
الحالة : ام حبيبي غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

ماااااااااااشاء الله تبارك الرحمه..

سويسرا روووووعه وانا كنت متردده اروح لها ولا ..شكلي بصيف هناك بعد هذا التقرير ان شاء الله

واشكرك اخوي على التقرير والاسلوب والصور الاكثر من رائعه
13 / 03 / 2009, 51 : 12 AM
رقم المشاركة :  38 
][::.. مسافر جديد ..::][



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 25 / 10 / 2008
رقم العضوية : 4436
الإقامة : makkah
المشاركات : 36
الحالة : العصومي غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

ماشاء الله عليك يانسيم نجد أتقنـــــــــــــــــــــت فـــــــــــــــــــــأبدعت

ولي طلب صغير بدون أمر عليك أرغب منك برنامج مختصر ولمدة 9 أيام

المدن وعدد الليالي وفي أي الفنادق والأماكن وإلا الأمام دوما

وأنا من المتابعين لك ولتالقك ( أخوك أبو جنـــــــــــــــــــــا)

( ماشاء الله عليك )
14 / 04 / 2009, 06 : 12 AM
رقم المشاركة :  39 
][::.. مسافر جديد ..::][



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 06 / 02 / 2008
رقم العضوية : 1121
الإقامة : تحت المطر
المشاركات : 62
الحالة : بنت الشريف غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟


تقرررررررررير ولا اروع يعطيك العافيه
فين باقي التقرير في انتظارك
عن أبي هريرة ‏رضي الله عنه ‏ أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: "‏ ‏من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".!!,,
16 / 04 / 2009, 37 : 10 AM
رقم المشاركة :  40 
{ مـؤسـس }



الملف الشخصي
تاريخ التسجيل : 24 / 06 / 2007
رقم العضوية : 22
الإقامة : السعودية
المشاركات : 3,253
التقارير : 15
الجنس : ذكر
الحالة : نسيم نجد غير متواجد حالياً
رد: سويسرا ماهذا الجمال ؟

<H3>


11 فبراير, 2009 بواسطة : نسيم نجد

عبر الممرات المجاورة للنهر …و كان خط سيري باتجاه المدينة القديمة على الضفة الأخرى…حيث تجتمع هناك البيوت التاريخية الرائعة…

فوصلت إلى جسر حديث…ينقلني فوق قضبانه إلى بغيتي…فأسرعت من خلاله…مخافة أن الوقت يزحمني….

فكان الجمع غفير…فالكل يدور في فلك تلك المناطق السياحة…خاصة و أن النهار انتصف…و الجموع السياحية بدأت تستقل قطار الترحال بين المعالم…و استيقظوا من سباتهم و أخذوا يفكرون بوجهاتهم…

تصعد درجات إلى الأعلى…فيصير النهر تحت ذلك المطل…و تذهب بك تلك الدرجات إلى ممرات صغيرة ضيقة…تنتشر على أطرافها محلات تجارية مختلفة…منها ماخصص للملابس و الجلديات و أجهزة الإلكترونيات…و غيرها الكثير مما تزدحم به تلك المناطق من أماكن الوجبات من المأكولات والحلويات…هذا غير أكشاك التحف التذكارية و الصناعات المحلية…فتعيش عبر هذه الممرات المزدحمة بالناس و الباعة جواً شديد الألفة…

واصلت المسير مع السائرين…و من محل لمحل …و من درج لدرج…و من ممر لممر…حتى اجتمعت ممرات من كافة الجهات بساحة كبيرة في وسط المدينة…هذه الساحة مرصوفة بأحجار منحوتة هي امتداد لتلك الأحجار التي رصفت منها الطرقات القديمة..

في تلك الساحة …وجدت مجموعة سياحة..أغلبيتهم ممن أكل عليهم الدهر و شرب…ظهورهم منثنية…و خطواتهم بطيئة…وجدتهم يستمعون و بصمت لمرشدهم السياحية…فأخذ هذا المرشد يتكلم بهدوء …عن تمثال أمامه منصوب…و هذا التمثال قد خرجت من أجزاء جسمه نوافير مائية…و هؤلاء الجمع كأن على رؤوسهم الطير…لا حراك و أنفاس…إلا ما يحدث و بغير قصد من حركة مظلات المطر من جراء هبوب الرياح…أقف و أتعجب…و أنظر إليهم و استغرب… من هذا الهيام و هذا الحب لمثل هذه التماثيل و المنحوتات…و لا أجد في نفسي أي رغبة أن أتابع مايقول المرشد أو أن أقترب أكثر…لكن أخذت أنظر إلى تنوع تلك المظلات و ألوانها …و كيف أن الناس يختلف مزاجهم ( بصراحة المرأة صاحبة المظلة الأحمر بالأبيض مزاجها بايخ …أنظر للشكل أعلاه )…ثم بدأت أدقق بألوان الجزم ( أكرمكم الله ) و هل تتناسق مع بقية الملابس…تنبهت أن هذه التأملات من التأملات منزوعة الثمرة…رددت إلي تأملاتي…و أخذت أبحث عن المباني القديمة…فوجدت ساحة أخرى…أيضاً فيها نافورة مجسمة…و لكن هذه النافورة لم يصلها جمع الزواحف من السياح…ولم يصلها الدور بالشرح…فنظرت إليها…و قلت لها الويل لك من مرشد سوف يفصفصك فصفصة لجمعٍ من الكهول و العجزة…

هذه الساحة…جميلة جداً…و هي بغية الباحث عن البيوت القديمة…و القصور الأثرية…فأنت وسط الساحة…تعيش كأنك بوسط لوحة فنية متقنة…

واجهات البيوت رسم عليها رسومات عجيبة…بألوان زاهية…و كل بيت له خلفية بلون جميل يعكس ما على جدرانه من التصاوير…

و هذه البيوت مرتفعة البنيات…فتظهر الصورة في أسفله كبيرة…ثم تغدو في أعلاه صغيرة جداً…فتمر السحاب من السماء فتمتزج مع تلك الرسومات التي على البناء…فتصبح كأنها لوحة متحركة…

أم برحلتك عبر جدران تلك المنازل…فأنت تنتقل من عالم إلى عالم…فمن جميل الرسم…إلى بديع مازين النوافذ من الزهر…و ما غطيت به الزجاج من الستائر…إلى ما أمسك ذلك الزهر من الحديد المزخرف المزين بألوان جميلة…إلى جميل النقش المحفور إما على الجدران أو على البوابة أو أطراف النوفذ …

إن التنافس بين تلك البيوت قائم…و التزين ظاهر…و المزاج يختلف من بناء لبناء…و لكن الحسن هو سيد الموقف …و هو صاحب الصوت الأعلى في تلك المنطقة
خرجت من بين تلك البيوت…أو بمعنى أصح تلك اللوحات الزيتية…قاصداً محلاً من ضمن سلسلة المقاصد السياحية الموضوعة في برنامجي…


فمررت ببعض الأماكن التي أعتقد أن لها مكانة سياحية و منزلة عالية إما في قديم أو حديث…حيث تظهر القبب في أركانه…و تبين شرفاته بشكل جميل…و موقعه على النهر ألبسه منظراً أجمل..

ثم تابعت مسيري …ومقصدي لهدفي الذي لا أعلم كيف أصل إليه..فلم أجد وسيلة أفضل من أن أذهب لمحلات التحف و الهدايا التذكارية…و أتفحص الكروت …و عندما أجد صورته أطلب من صاحب المحل أن يدلني عليه…فكما توقعت وجدت صورته تسيطر على الأرفف تنتشر على الكروت…فأخذت كرتاً منها…و سألت صاحب المحل عنه…فنظر إليه…ثم تبسم…ثم أتبع بكلمات أن سعره بكذا…فقلت له لا أريد السعر …بل أريد الموقع…فقال : لا أعلم …أخذت أسيح في المدينة…فوجدت محلاً آخر..ففعلت معه نفس ما فعلت مع صاحبه…فأشار إلى حديقة أمامه…فقلت لا أريد حديقة…إنما أريد هذا التمثال الذي ترى في الصورة..فقال : نعم هو هناك…

فدخلت عليه…فكأني دخلت إلى مملكته…فوجدته في عرينه…و من فوقه سيل من الدموع تتقاطر…حتى كونت بحيرة من أسى …و بحيرة من دموع تنساب على ذلك التمثال الكسير…و أصدقكم القول : لقد ذهبت إليه بعدما تملكني الحزن على قصته التي ترويها لنا أختنا الفاضلة / فتاة عربية.. في موضوعها البلاد السويسرية بعيون فتاة عربية ( دليل شامل للمدن السويسرية )…

….فلكم أن تعيشوا هذه القصة عبر حروف أختنا ..فتقول : . Lowendenkmal تمثال الأسد…و يسمى أيضاً بالأسد النائم, بنيت ذكرى للجنود السويسريين الذين قتلوا دفاعاً عن العائلة المالكة الفرنسية ضد الثوار الفرنسيين في باريس, فأثناء الثورة دافع أكثر من سبعمائة جندي من أبناء لوسيرن القصر الملكي الفرنسي,

و عندما أحس الملك بأن النصر أصبح مستحيلاً قرر الإستسلام ( القرار الذي دفع مقابله أبناء لوسيرن أرواحهم), فأمر الجنود بإلقاء أسلحتهم بعد معركة مريرة مع الثوار, فنفذ الجنود الأوامر لكنهم قتلوا جميعاً على يد أولائك الثوار في مذبحة لن تنساه التاريخ, هذه المجزرة أثرت كثيراً في سكان لويسرن فما أحد منهم إلا وقد فقد عزيز أو قريب, فقرروا نحت تمثال لأسد و هو يصارع الموت كناية عن شجاعة أبنائهم و موتهم بشرف في أرض المعركة. عندما ترى ملامح وجه الأسد عن قرب تستشف كل معاني الألم و الحزن, ففمه مفتوح و كأنه يطلق شهقات الموت الأخيرة, و تلك العينين تبحث عن إجابات لتساؤلات كثيرة, و تنظر إلى المصير المجهول قبل أن تغلق جفونها في وداع أبدي………….

قد يراه البعض تمثالاً عادياً لكنني لم أستطع أن أتمالك نفسي عندما رأيته لأول مرة فوقفت مشدوهة و الدموع تحكي ما عجز عنه الكلام……. فذلك الأسد لم يكن شيئاً عادياً!! لم أبكي عليه إنما على ما يعنيه, فقد شعرت بأحاسيس الأهالي المكلومين و ما عانوه من لوعة و حرقة فراق أبنائهم, فقد ترجموا تلك المشاعر المؤلمة في ذلك الأسد المحتضر. و قد قال عنها مارك توين المعروف بأنها أكثر قطعة أثرية تحرك المشاعر و تبعث فيه الحزن ( ولم يكذب!!), و أخيراً ستجد هناك كتابة لاتينية ترجمتها:
( إهداء إلى كل السويسريين المخلصين و الشجعان)….انتهت كلمات أختنا الفاضلة…
و فعلاً صورته غريبة …و قصته مؤثرة…جداً….


وفي الختام أعتذر لأختنا / فتاة عربية على هذا النقل المتواصل من موضوعها…ولكن لم أجد أفضل و أكمل منه ……وكما أعتذر لها أن نظرنا لمعشوقها…و امتدت عيوننا للتأمل في جميل محياه…..فهي تقول في مقدمة حديثها عن تلك المدينة… ( أشعر و كأن لوسيرن قد بنيت لأجلي, ليس غروراً!! و لكنها المدينة الوحيدة التي أرضت حبي للأدب, و للفنون, و للتاريخ ………. و للجمال أيضاً!. تشبه كثيراً تلك المدن في القصص و الأساطير التي ألهمت خيالي و طفولتي, و في شوارعها تتأمل ملامح الماضي البعيد, فتلك الرسوم على واجهة مبانيها تروي أجمل الحكايات……… قليلة هي المدن التي توازي مكانة هذه المدينة في قلبي, فإن كنت أنا ليلى فلوسيرن بالتأكيد هو قيسي. ).…بعد هذا الفاصل الجميل من معزوفة أختنا …لم يتبقى لي إلا أن أودعكم جميعاً…و أودع قيس و ليلى…و ندعو الله أن ينبلج نور و قد أضاء منتدانا باسم تلك الفتاة….وألقاكم في حلقة قادمة…وهي الحلقة الأخيرة…في طرقات سويسرا…

إلى اللقاء….نسيم نجد

</H3>
إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
[تقرير مصور ] سويسرا قلب الجمال النابض 1بو محمد زاد المسافر الى سويسرا 67 23 / 11 / 2019 09 : 04 PM
سويسرا .. وهل الجمال إلا أنتِ ( vogelsang ) ابوناصر22 زاد المسافر الى سويسرا 6 01 / 06 / 2015 34 : 09 PM


المواضيع ، تعبر عن رأي كاتبها ويتحمل مسؤوليتها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة ومنتديات زاد المسافر .