أصبحنا وأصبح الملك لله وهاهي أشعة الشمس المشرقة تطل علينا من بين السحاب ونخيل باسقات تصبّح بيوم بهيج ممتع بعد نومة هانئة ، والكاميرا تتحدث أيضا لتخبرنا عن وقائع ومناظر تحبس بذاكرة الزمن لكي تذكرنا بتلك اللحظات التي لا نتمنى سوى الجنة بديل لها .
وفي لقطة لأحد العصافير التي نسجت بغريزة أمدها بها رب الخلق وقد غزلت بيتها بسعف احد النخيل بطريقة بديعة فسبحان من أعطاها ورزقها.
وتم الانطلاق من الفندق بعد اخذ وجبة الفطور مباشرة في سيارة جمعتنا مع الأخ شافعي عبر طرق الجزيرة الجميلة بكل أنواع الأشجار واخضرار مستمر وبأمان مستمر أيضا متمثل بالشرطة المحلية التي أزعجتنا بكثرة الوقوف فهذه شرطة الأمن وتلك شرطة المرور وغيرها شرطة السياحة .
ولكن المسير في طرقات الجزيرة وجمالها ينسي كل تعب ونصب في انسياب مستمر لخط اخضر يانع يزيل كل همّ ويصفي تلوث المدن في صدورنا
ومازلنا في طرقات مليئة بالحياة لأهل الجزيرة الذين يسيحون في طلب الرزق فيصبحون خماصا ويمسون بطانا.
وأول نشاط نقوم به اليوم هو التوجه لأقصى نقطة في جنوب الجزيرة لقرية غازي مغازي Kizimkazi وركوب احد القوارب المحلية في جولة بحرية نركب الأمواج العاتية لرؤية الدلافين والسباحة معها في مكان نادر أن يتكرر لمثله .
وها نحن المجموعة بعددنا 13 ركبنا هذا القارب مكتظين ومتشوقين لرؤية الدلافين الزنجبارية وهي ترحب بنا بطريقتها
ورويداً رويداً ابتعدنا عن الساحل ونحن نمخر عباب البحر بهذا القارب الخشبي الثقيل والبطيء فأصحاب القارب بسيطي الحال ولم يكن لهم مقدور واستطاعة في شراء محرك قوي فقلة ذات اليد عندهم استطاعت تركيب محرك بقوة 15 حصان فقط والقارب يحتاج اقل شيء إلى 200 حصان ولكن الحمد لله الأمر بسيط ولا يحتاج سرعة فالنزهة هي الهدف.
ومن داخل البحر شاهدنا منظراً غريباً لأحد الصيادين وهو يلبس نظارة بحرية ومعه رمح وإذ به احد الصيادين على الطريقة الزنجبارية يصيد ما يكتبه له الله من صيد بهذه الطريقة البسيطة بحيث يغوص إلى الصخور المرجاني ويرى السمك فيختار منها الكبير ويضربه بالرمح ليصعد الى السطح فيتلقاه مساعدة بقارب خشبي صغير يجمع حصيلة الصيد وبيعها .
وتركنا ذلك الصياد برمحه ونظارته لنمخر تلكم الأمواج العاتية بقاربنا البسيط وسط ارتفاع الموج وهيجان البحر ولي بحراً إنما نحن في محيط كبير وقد بدأ الخوف يسري من انقلاب القارب ، فالأمواج لم تكن بسيطة أبدا والصورة تحكي صولة الأسد ، قاربنا يتهادى على جبال الموج وكأنة قطعة من ورق يلعب بها التيار كما يشتهي .
وهانحن وصلنا بعد تعب ونصب وصعود ونزول بين موجة وأخرى نتهاوى بين الموجة والأخرى وفي ظل رحمة الله التي حمتنا من كل مكروه وصلنا لموقع الدلافين ورأيت الدلافين وهي تلعب بين الغطاسين وقد غطس فريقنا من المجموعة الثانية بين الدلافين وسبح بينها فكانت لحظات ممتعة وفريدة .
وقفلنا راجعين بعد قضاء وقت جميل مشوب بالخطر من شدة الموج وارتفاع القارب ونزوله إلى الساحل مرة أخرى نحمد الله على سلامتنا وقد أعد! لنا وجبة الغذاء وهي من ضمن البرنامج المكمل للزيارة الدلافين ووجبة من السمك والبطاطس وطبق الرز اللذيذ .
انطلقنا للبرنامج الثاني وهو زيارة مدينة الصخور (Stone City) الأثرية والأقدم في الجزيرة حيث مقر الحكم سابقاً والسوق القديم والحالي للسمك والخضار والبهارات كما يوجد فيها بعض الأبنية المتعلقة بتاريخ الجزيرة.
ويتراءى لنا من خلال مسيرنا بعض الأبنية القديمة التي تحكي قصة المنطقة وتاريخها الموغل بالقدم
ومن التاريخ الذي يحكي شيئاً من ماضي المكان هو سوق العبيد والذي كان كما هو في مناطق من أفريقيا فهو هنا أيضا وقد بدأ فيه أصلا البرتغاليين المستعمرين وتم توارث الصنعة بالحكام العرب الذين استمروا باستجلاب العبيد من وسط أفريقيا وتجهيزهم هنا لترحيلهم عبر البواخر إلى مناطق الجزيرة العربية والشام ومصر.
واللوحة في الصورة تشير إلى مكان سوق العبيد المزارعين .
وأول ما رأينا الكنيسةالأنجليكانية التي بنيت عام (1873) وقد بنيتعلىموقعِسوقِالعبيدِ وبجانبها دارالتشريع (الشورى)،ونحننَعْبرُمتحفَزنجبار وهو مبنى مبي منذ عام 1925معلىطريقِنا،نَعْبرُ،المحكمةالعاليةلزنجبار، ,وهناالمندوبيةالساميّةالبريطانيةالأولى.
كان معنا أحد المرشدين ليتجول بنا في مناحي المنطقة القديمة وابتدأنا في السوق المركزي للسمك والخضار والبهارات فكانت هذه الجولة تصطحبنا الكاميرا بالصور المعبرة عن حال المكان .
ومن خلال الزيارة تطل علينا بنايات المنطقة التي تعبر عن طراز وانتماء المكان لحقبة من الزمن كانت تتبع حينها الحكم العماني .
وإطلالة المآذن بين طرقات المدينة القديمة تشرح الصدر وتفرح القلب وتسر الناظرين إليها.
وليس اكبر من منظر يشرح الصدور كمنظر احد مدارس تحفيظ القران بوسط المدينة القديمة وفي احد قاعات الدراسة لمدرسة ملحقة بالمسجد وصورة جميلة ومفعمة بالحياة لهؤلاء الأطفال من صبيان ولباسهم العماني الأصيل وفتيات قد اعتمرن الحجاب بكل عفوية وانتماء لما يؤمنون به من إسلام وإيمان اسأل الله لهم الثبات والأجر والمثوبة لهم ولوالديهم ولمعلميهم ولمن أعانهم على ذلك .
وصورة جميلة لأحد الصفوف الملحقة بالجامع وقد اكتظت بالدارسين لكتاب الله.
ونتابع تحركنا لمنطقة التاريخ والحديث هنا حول أصالة المكان وتاريخ يتحدث به كل شيء فالأبواب الخشبية المنحوتة بطراز عربي متقن تحكي هي أيضا صورة زمن مضى بكل ما يحمله من قيم ومعاني لا تنسى وان دارت الأيام وحل الجديد مكان القديم فيظل الأصل في نفوس الناس وطبائعهم الغنية بكل العادات المتوارثة من أبائهم وأجدادهم .
كل جزء هنا يتحدث فيما يخصه ويعنيه فكما الأبواب فهنا البيوت والشبابيك والسكك والأزقة والحواري كلها تعطينا طابع واحد وقصة واحدة تصيح بها في صوت واحد أيضا وهو صوت أذان المساجد بقولها الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله .
وهاهو بائع الفول السوداني يقطع علينا تأملنا بعربته التي يجرها بيديه وقد حملها بالفول السوداني الأخضر ومازالت رطوبة الثمار يانعة وهو قد صنفها بلف ورق المجلات لتكون مقسمة على حسب طلب الزبائن وقدرتهم على الشراء فمنها بـمائة شلن ومنها بخمس مائة والأخرى بألف .
اشترينا منه ما نتذوق به طعم الفول الطازج ونتسلى به ونحن في استمرار بين توقف هنا وهناك لبعض المحال التجارية التي فتحت للسياح الذي يتجولون في المنطقة وشراء بعض الحاجيات والقطع الأثرية وبعض منتجات المنطقة .
لازلنا نحث الخطى ونحن نستلهم تراثاً ونحفظ بأعيننا صور المكان وعبق التاريخ الزاخر بكل زاوية لمباني تنطق قصصاً وحوادث لأمة سكنت وحكمت وظل تأثيرها رغم الاستعمار ورغم التغريب شامخة تحكي بصمت صولة الأسد.
ولا أدل من تلك الحكايات الصامتة من حكاية المبنى العجيب وهو اسمه المسمى به (بيت العجيب) كما في اللوحة المعلقة في واجهته الرئيسية .
[
وهذا البيت العجيب أو قصر الحكم لأل البوسعيد حكام مسقط وزنجبار في أوائل القرن العشرين وحتى دخول المستعمر بقواته الغازية بجنود الأفارقة الغوغاء وتحكمهم بالجزيرة عام 1964م هو مظهر من مظاهر الحكم والقوة والحضارة التي نقلها البوسعيديون الى هنا فكان صرحاً ومبنى حضارياً لا يشبهه مثيل في أفريقيا الشرقية فكان بلا فخر أول مبنى تصله الكهرباء وفيه مصعد كهربائي ، فهو إذا مبنى العجيب بذلك الزمان حيث لا مثيل له .
وإطلالة من أمام المبنى العجيب على البحر مباشرة
وفخامة القصر تحكي عظمة الحكم آنذاك بكل تفاصيل البناء من فخامة وزخرفة وأبواب عالية من خشب الورد والتيك الهندي القاسي وبرغم مرور السنوات الكثيرة إلا انه باق يروي لنا حكايته .
بيت العجيب هو حالياً متحف وطني يقصّ للزائرين قصته مع ذلك الزمن وتفاصيل لا يسعنا سردها ولكن يستحق الزيارة لما فيه من آثار ومعلومات ومواد تعليمية وتثقيفية تخص الجزيرة وحكامها.
ونحن نَنهي جولتَنا ببنايةِ الحصنِ القديمةِ التي يعود تاريخها إلى مابين عامي (1698 – 1701
وننتهي من منطقة مدينة الحجارة وقصر بيت العجيب إلى الميناء الرئيس لزنجبار حيث البواخر التي تأخذ المسافرين لدار السلام يومياً على فترتين بمبلغ 30 دولار للدرجة الأولى و20 للثانية .